الأحد، 28 يوليو 2019

رغباتنا الملحة هل تشكل واقعنا


سوزان بادفيلد عالمة نفس انجليزية مشهورة أبدت منذ طفولتها اهتماما كبيرا بالقضايا الخارقة - وبالذات ظاهرة الاطباق الطائرة - فكثيرا ما فكرت وتخيلت كيف تتصرف لو قابلت ذات يوم طبقا حقيقيا أو مخلوقات غريبة قادمة من الفضاء الخارجي. وحين كبرت وعملت في جامعة دورسيت بدأت تشاهد حلما غريبا استمر لعدة اشهر. فقد كانت ترى نفسها تائهة في منطقة ريفية غير معروفة وكانت تقود سيارتها ليلا على غير هدى ثم فجأة ترفع رأسها فترى فوقها جسما معدنيا مضيئا يشبة الطبق الطائر!

وبصفتها عالمة نفس فسرت الحلم على انه ترجمة لرغبتها القديمة برؤية «طبق طائر».. ولكنها ذات يوم عادت متأخرة ففكرت في اتخاذ طريق مختصر مما ادى لضياعها في خطوط زراعية متشابكة؛ وحينها تملكها احساس قوي بأنها سترى قريبا طبقا طائرا كما حدث في الحلم. وبالفعل رفعت رأسها فرأت جسما معدنيا دائريا بدا اسفله واضحا بأضوائه الغريبة.. وفي اليوم التالي كانت الصحف مليئة بتقارير عن أناس شاهدوا طبقا طائرا في منطقة دورسيت!!

(Suzanne Padfield, 1981. Archetypes. Psychogenetics, P: 77-81)

هذه التجربة - التي روتها بنفسها - احدثت لديها ارباكا في مفهوم الصدفة والعلاقة بين الرغبة والواقع.. بمعنى هل هي صدفة ان ترى طبقا طائرا كما شاهدت في الحلم؟.. وهل ساهمت رغبتها القديمة في رؤية ذلك الطبق في تجسيده على أرض الواقع؟.. هذه التساؤلات دعتها لتطوير مفهوم المتزامنات الظرفية في حياتنا اليومية (والمتزامنات هي المصطلح المقابل لما ندعوه نحن مصادفات)!

وقبل الدخول في التفسير الذي قدمته بادفيلد دعونا اولا نتذكر التفسير الأساسي لحدوث المتزامنات في علم النفس؛ فعالم النفس السويسري كارل يونج فسر المصادفات الغريبة (كتذكر صديق ما ثم رؤيته فجأة) بتوافق زمني لحادثتين لهما نفس المعنى ولكنهما غير مرتبطتين بعلاقة سببية.. فتذكر الصديق القديم ثم رؤيته عند الباب هو توافق زمني بين حالة نفسية واخرى واقعية ولكن بلا رابط إلزامي حقيقي.. ومع هذا تلفت حادثة كهذه انتباهنا ونتذكرها جيدا - بسبب تفردها وندرتها - في حين ننسى عشرات الأصدقاء الذين نتذكرهم دون أن نراهم في نفس الوقت!

أما بادفيلد فبعد تجربتها السابقة وسعت مفهوم التزامن بين الحالة النفسية والواقع الى القول بأن الحالة النفسية يمكن ان (تشكل الواقع) وتساهم في بلورته. فهناك علاقة تبادلية غريبة بين ما نرغب فيه وما يحدث بالفعل.. فتفكيرها المستمر في الطبق الطائر ساهم بطريقة غريبة في ظهور ذلك الطبق ومشاهدتها له.. بل انها فسرت كثرة رؤية الاطباق الطائرة بين الأربعينات والثمانينات برغبة شريحة كبيرة من الناس برؤية الاطباق مما ادى لظهورها فعلا.

وهي بهذا التفسير الغريب (الذي يخرج عن اطار العلم الى الروحانيات) ترى ان «التزامن» ليس فقط توافقا بين حالة نفسية وواقعية، بل وحالة نفسية طاغية (قد) تخلق واقعا معاشا!!

ونقول (قد) لأن بادفيلد ترى ضرورة وجود قدر كبير من التطابق بين حوادث ممكنة الوقوع (كاحتمال سقوط طائرة) وبين عدد كبير من المقتنعين بسقوطها. فحين يلغي احد الركاب حجزه خوفا من سقوط الطائرة فإنه بهذا التصرف يرفع (بنسبة معينة) من امكانية سقوطها فعليا!!

لا اخفي عليكم ما شد انتباهي لهذا التفسير ملاحظتي الشخصية ان رغباتنا القوية تساهم أحيانا في بلورة ما نريده فعلا.. فأنت مثلا كم مرة رغبت بشيء بقوة فرأيت الاحداث تتبلور لتحقيقه. وكم مرة كنت واثقا من النتيجة (كالتقاط ورقة البلوت الصحيحة) فيحالفك النجاح رغم نسبته الضئيلة.. وحين تفكر بعمق بذلك الصديق ألا تكون قد ساهمت في حثه على زيارتك أو الاتصال بك فعلا!!

سأترك لك فرصة الإجابة ومتعة التجربة..

وإن كان لديك وقت؛ سأترك لك أيضا مهمة البحث فيما يدعى (قانون الجذب والتفاؤل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...