الثلاثاء، 30 يوليو 2019

شاهدوها وحدهم


هل لاحظت أن معظم الأخبار الخارقة (كرؤية العفاريت والأطباق الطائرة) تأتي من أفراد وليس مجموعات؟

وهل تعرف أن الوحدة رفيقة الجنون والعبقرية؟ وأن العزلة الطويلة تنتهي بالهلوسة وسماع أصوات غريبة!؟

وما يحدث هنا أننا حين نتواجد في بيئة لا نستعمل فيها حواسنا بشكل كاف تبدأ عقولنا بخلق مشاعرها الخاصة والخارقة للعادة.. فحين يعيش الإنسان وحيدا أو معزولاً (في سجن ضيق أو كهف مظلم مثلاً) يبدأ برؤية وسماع أصوات كثيرة تتبلور في رأسه. وهذا النوع من الحرمان الحسي مؤقت غالبا ولا يختلف كثيرا عما يحدث أثناء النوم حين تتعطل حواسنا فتبدأ أدمغتنا بخلق أحلامها الخاصة بحيث نرى ونسمع ونشعر ونتألم دون مؤثرات حقيقية..

ومن المعروف حاليا أن سماع أصوات لا يسمعها الآخرون وليس لها مصدر واضح من الأعراض المعتادة للهلوسة . وهذه الأصوات يفسرها الشخص غالبا بحسب معتقداته الخاصة والآراء الغالبة في عصره .. ولأننا نتحدث عن النوع "المؤقت" يمكن حتى للناس الطبيعيين المرور بهذه الحالة لمرتين أو ثلاث في حياتهم.. وفي تراثنا العربي يوجد كتاب يدعى "الهواتف" للحافظ ابن أبي الدنيا يضم قصصا كثيرة عن رجال ونساء (لا يخفى على أحد حكمتهم وصلاحهم) سمعوا أصواتا غريبة و "هواتف" ترشدهم إلى فعل هذا وذاك...

وكان عالم النفس الألماني (هيرمان ويتكن) قد ابتكر في ستينات القرن الماضي طريقة رائجة لعزل العقل وتهيئته لخلق واستقبال الافكار الخارقة؛ واعتمدت فكرته أساسا على عزل الحواس التي تعمل كمنافذ للدماغ نحو العالم الخارجي بما في ذلك الشعور بقوة الجاذبية تحت أقدامنا .. وهكذا قام بعزل حاسة البصر (بتغطية العينين بقبتين سوداوين) والسمع (بسماعات تصدر أزيزاً ثابتاً) وابتكر حوضا سائلا يبقى فيه المرء (طافياً) ومنع أي روائح حادة أو درجات حرارة متطرفة. وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في (تصفية) الذهن والوصول به الى حالة العزلة الكاملة التي تتفاقم بمرور الوقت.. وبعد تجربة هذا الوضع على خمسة وثلاثين متطوعا لاحظ اشتراكهم في المرور بتجارب خارقة (تضمنت سماع أصوات لم تكن موجودة في المختبر) ناهيك عن مرورهم بأحداث غير معقولة اعتقدوا أنها تدور في الواقع رغم أن أجهزة المراقبة تشير الى استيقاظهم جسديا !!

… وحالات الحرمان الحسي عموما تتعزز حين يصل الإنسان لمرحلة الجوع أو التعب أو يملك استعدادا لتقبل ما سمعه مسبقا (مثل ادعاء ظهور الجن في هذا المكان أو ذاك).. وهذه المظاهر مجتمعة تفسر القصص الخارقة التي يأتي بها أفراد مروا بها لوحدهم مثل المسافرين والسائقين والغواصين والمخيمين لوحدهم خصوصا حين تترافق مع ظروف صعبة كالضياع في الصحراء...

.. وقبل أن أنسى: أشير إلى أنه ؛ كما تتسبب العزلة بتعطيل الحواس وتسمح للدماغ بخلق عالمه الخاص يتسبب التكرار الطويل والممل في إرباكها ونقلها لمعلومات خاطئة لمراكز الإحساس في الدماغ.. والمراقب الجيد يدرك أن كثيرا من الممارسات والطقوس الدينية تعتمد على حالتي العزلة أو التكرار الطويل للخروج بأفكار روحانية ومشاهد خارقة للعادة ؛ فالنساك والرهبان في كافة الديانات يعمدون إلى الانعزال والوحدة للوصول إلى مرحلة مايدعى بالتنور أو التوحد أو التجلي أو الفتح الرباني (الذي يترافق غالبا مع الجوع وهجر الملذات).. وفي المقابل كثير من الطقوس تعتمد على تكرار أفعال وحركات وألفاظ معينة كما يحدث في الزار والرقص والقرع المنتظم والتسبيح الجماعي .. وحين يبلغ الحماس أدناه تصل المجموعة أو بعض أعضائها لمرحلة الهلوسة والإصابة بحالات إغماء أو صرع تفسر بأنها حالات مس رباني واقتران الهي ..

.. وربما شيطاني ..

.. حسب توجه المجموعة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...