الأحد، 28 يوليو 2019

مريض بطعم الشهد


قبل أيام كنت خارجا من منزل والدي حين رأيت جارنا العزيز أبو خالد.. ورغم أنه يسكن على الطرف الآخر من الشارع إلا أنني لم أره منذ سنتين أو أكثر.. وحين شاهدته ذهبت اليه وقبلت رأسه وهنأته بعيد الأضحى.. وعلى الفور لاحظت نحول جسده وشحوب وجهه فسألته عن صحته.. وبدون تردد رفع علبه طبية كان يحملها بيده وقال: "ذبحني السكر ولم أعد أتحرك بدون أدويتي كما ترى".. فما كان مني الا أن قلت مجاملا: "ومن لم يصب بالسكر هذه الأيام يا أبا خالد"!!

وحين ركبت سيارتي حانت مني التفاتة الى جريدة ملقاه بجانبي (وتحديدا الشرق الأوسط 14 نوفمبر) فرأيت عنوانا عريضا يقول: "366 مليونا عدد المصابين بالسكري عالميا"..

وكان توافقا غريبا ذكرني باليوم العالمي للتوعية بمرض السكر الذي يوافق ذكرى مولد الطبيب الكندي فريدريك بانتينغ (في 14 نوفمبر 1891) الذي قدم للبشرية خدمة جليلة حين اكتشف هرمون الأنسولين عام 1922!

أما مرض السكري ذاته فكان معروفا لدى الفراعنة منذ 4000 عام، ولكنه لم يكن يوما بمثل خطورته وانتشاره هذه الأيام.

ومن المعروف أن هناك نوعين منه؛ الأول ناجم عن نقص افراز الأنسولين (الهرمون المنظم لمستوى السكر في الدم) ويتطلب تعاطي الأنسولين يوميا، أما الثاني (الذي يصيب الكهول خصوصا) فينجم عن عجز الجسم عن استخدام الانسولين الطبيعي بشكل فعال وكامل.

والنوع الثاني يشكل 90% من الحالات العالمية ويعيده الخبراء إلى اجتماع ثلاثة عوامل رئيسية هي: البدانة، وقلة النشاط البدني، ووجود استعداد وراثي (كون البعض لا يصاب به رغم كسله وبدانته).

وهذا النوع بالذات يهمنا أكثر من غيرنا كون خمس دول خليجية تأتي في مقدمة أسوأ عشرة دول في العالم من حيث الاصابة بالسكري هي: (الإمارات، السعودية، البحرين، الكويت، عمان.. ولا تتقدم علينا سوى جزيرة صغيرة لم يسمع بها أحد تدعى نايورو).

ففي نايورو يصاب واحد من بين كل ثلاثة مواطنين بالسكري، وفي الامارات واحد من بين كل خمسة، أما في السعودية فتصل نسبة المصابين 16.8% (ولاحظ أننا نتحدث عن فئة الكهول فقط).

أما حول العالم فتتجاوز أعداد المصابين 366 مليون نسمة (وهو ما يعني اصابة انسان من بين 21) ويموت بسببه شخص كل 8 ثوان، ويشكل اليوم أحد أهم أسباب انتقالنا للآخرة.. أضف لهذا أن للسكري تداعيات وخيمة مثل مسؤوليته عن 50% من حالات العمى في السعودية، و70% من حالات بتر الأطراف، و20% من مشاكل القلب.

وكوننا نعيش في مجتمع يعاني بشدة من هذا الداء نتساءل عن العلاقة بين نمط الحياة الذي أصبحنا نعيشه والانتشار الواسع للمرض - الذي لم يكن معروفا تقريبا زمن جدي وجدك.. فمن الواضح أن التغير المفاجئ في نمط حياتنا (من الجهد والحركة في الماضي، إلى الترف والكسل في الحاضر) تسبب في انفجار نسبة الاصابه به - بعكس الشعوب الأوروبية التي لم تتغير فيها نسب الإصابة بهذا الشكل الحاد.. ويؤيد هذه الفرضية انتشاره في خمسة مجتمعات خليجية انتقلت بسرعة من حياة البداوة والشقاء الى نعيم النفط والأجواء المكيفة - بما في ذلك جزيرة نايورو التي أصبح سكانها يتمتعون فجأة بدخل معيشي مرتفع!!

الخبر السعيد أن "السكري" مرض غير مستعص ويمكن تقليص خطورته برفع مستوى الوعي به بين الناس.. فكلما ازددت وعيا بأسبابه (وقرأت كثيرا حوله) كلما ارتفعت نسبة تلافيك له وتجاوزت تداعياته في حال أصبت به فعلا.

وحتى تأخذ زمام المبادرة بنفسك؛ من المهم أن تتحرك كثيرا، وتأكل قليلا، وتتنبه سريعا لوجوده بين أقربائك وأفراد عائلتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...