الأحد، 28 يوليو 2019

اثنا عشر سبطاً


في أكتوبر الماضي قمت بجولة في دول الهند الصينية حيث زرت معابد أنكور في كمبوديا وعشت بين قبيلة الرقاب الطويلة في بورما (كما يتضح من صوري على الفيس بوك).

وأثناء تواجدي في سوق شعبي مزدحم في كمبوديا شاهدت شيئا لم أكن أتوقعه على الإطلاق - على الأقل في تلك المنطقة من العالم.. شاهدت ثلاثة حاخامات يهود بقبعاتهم السود وسوالفهم الطويلة وقرون الغزال وسيور الجلد التي يلفونها حول أيديهم (وهي أدوات ترافق شعائر الصلاة لدى اليهود المتزمتين).

وبدافع الفضول سرت خلفهم لمسافة طويلة ولاحظت أنهم يقفون عند المطاعم المزدحمة لأداء صلاة خاصة بطريقة علنية ولافتة للنظر.. وفي كل مرة يقفون فيها يبدأ أحدهم بالنفخ في قرن الغزال (بطريقة مزعجة وغير ملحنة)، بينما يهتز الثاني أثناء قراءته من التوراة، في حين يقف أصغرهم مراقبا ما حوله.

وكان واضحا أنني لست الفضولي الوحيد الذي يراقبهم حيث تكفل صوت البوق وحده بلفت انتباه الناس دون أن يتجرأ أحد على سؤالهم عما يفعلون (ولا حتى أنا).. غير أن سحنتي العربية لفتت نظر أصغرهم فسألني مبتسما: "مرحبا، من أين أنت؟" فأجبته دون تردد "من الهند".. ورغم أنني أشبة الهنود فعلا، ورغم أن الهنود أنفسهم يبادروني بالحديث باللغة الأردية في المطارات والأسواق، إلا أن جوابي لم ينطل على الحاخام الصغير فاختفت الابتسامة من وجهه ولم يقل شيئاً آخر.. غير أنني استغليت الفرصة لرد السؤال بسؤال فبادرته قائلا: "ماذا تفعلون هنا؟" فقال بجدية: "نجوب دول المنطقة بحثا عن أبناء عمومتنا اليهود".. ورغم أنه لم يقدم تفاصيل أكثر - وأشاح بوجهه عني - إلا أنني فهمت قصده بفضل خلفيتي السابقة عن قبائل اسرائيل الضائعة.

فاليهود المتدينون يؤمنون بوجود قبائل يهودية ضائعة يتحتم اكتشافها وضمها لدولة اسرائيل قبل نهاية الزمان.. ويعود هذا الاعتقاد الى زمن موسى عليه السلام حين خرج من مصر ومعه اثنا عشر سبطا من أسباط اليهود (والسبط بلغة العرب هي القبيلة وترتبط عادة باليهود).

وهذه الأسباط تنحدر من أولاد يعقوب الاثني عشر: روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وساخر وزبولون، ويوسف، وبنيامين، ودان، ونفتالي، وكاذا، وأشار.

وهؤلاء الأخوة هم الذين عادوا لمصر ليفتدوا أخاهم بنيامين بعد اتهامه بسرقة صواع الملك. وحين دخلوا على "عزيز مصر" وعرفوا انه يوسف أحضروا أهلهم وكثر عددهم في مصر ونسب كل سبط منهم الى أحد الأخوة - وفيهم نزل قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم).

وحين اشتد عليهم بطش فرعون هربوا بقيادة موسى وتاهوا في سينا أربعين عاما - مات خلالها موسى - فقادهم هارون الى فلسطين. وهناك أسسوا مملكتين صغيرتين الأولى في الشمال (وتشكلت من عشر قبائل) والثانية في الجنوب (وتشكلت من قبيلتي بنيامين ويهوذا).

وفي عام 721 قبل الميلاد دمر البابليون المملكة الشمالية فتشتت اليهود في كل اتجاه، واقتيد بعضهم كعبيد الى العراق.. ورغم ان المملكة الجنوبية تشتت بدورها إلا ان (يهود اليوم) مايزالون يتحدثون عن "القبائل الشمالية" كقبائل مفقودة تنتظر اكتشافها.. وحسب اعتقادهم نزحت القبائل العشر المفقودة الى شرق آسيا وإفريقيا والجزيرة العربية؛ ويستشهدون بجماعات يهودية مازالت تعيش في افريقيا (مثل الفلاشا في اثيوبيا، واليمباه في زيمبابوي) وجماعات أخرى هاجرت الى جزيرة العرب واستقرت في البحرين وخيبر والمدينة واليمن.. أما في آسيا فوصلت الجماعات اليهودية - حسب زعمهم - الى جنوب إيران والهند والصين وكمبوديا وبورما!!

واليهود المتدينون يؤمنون بأن هذه الجماعات هي الأثر الباقي للقبائل المفقودة وأنها ستعود للتجمع في فلسطين بانتظار نزول المسيح المزعوم وإنشاء مملكتهم الكبرى قبل نهاية الزمان!!

.. تابعوا البحث أبناء العمومة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...