الخميس، 25 يوليو 2019

بحار العالم السبعة


لدي سبع خرائط للعالم معلقة في منزلي، وأربع كرات أرضية تدور باستمرار، وعشرات الأطالس والكتب الجغرافية ناهيك عن سفراتي الدولية في غير الإجازات السنوية.. ومع هذا لم أستطع الإجابة على سؤال جغرافي عريق أطلقته ابنتي الصغيرة مياس:

«ماهي بحار العالم السبعة يابابا...

...شكلك أول مرة تسمع فيها»!؟

ابتسمت وقلت: على العكس تماماً، سمعت بها لأول مرة قبل ثلاثين عاما، وتحديدا حين أرسلتني والدتي إلى جارتنا أم طارق فسمعت صوت شادية تغني في الخلفية : ’’’’والله إن قلت عدي ’’’’سبع بحور لأعدي ’’’’وحتى إن تعبت ماهدي’’’

ولكن المشكلة والكلام لكم أيها السادة إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي تفصيلاً وتداخلاً بين الجغرافيا والتاريخ والميثولوجيا أو عالم الاعتقادات والأساطير..

وأول مشكلة ينبغي حلها هو الاتفاق على تعريف البحر ذاته.. فالتعريف الرسمي هو أنه مسطح مائي مالح أصغر من المحيط وينحصر في منطقة جغرافية معينة.. غير أن هناك يتشعب بهذا التعريف إلى بحار مغلقة (كالبحر الميت) وبحار صغيرة تطل على بحار كبيرة (مثل الأسود على الأبيض) وبحار كبيرة تفتح على محيطات شاسعة (مثل الأحمر مع المحيط الهندي) وبالتالي عن أي بحر نتحدث بالضبط !؟

وفي حال اتفقنا مع كل الآراء سنكتشف وجود أكثر من 50 بحرا معترفا بها هذه الأيام.. ولكن حتى هذا الرقم لا ينفي وجود «سبع بحار» من وجهة نظر تاريخية واسطورية قديمة ...

ففي الماضي كانت معارف الإنسان محدودة وكان العالم كله يتمحور حول البحر الأبيض المتوسط (وما سمي متوسطاً إلا لتوسطه العالم القديم).. وفي ذلك الوقت ابتكر الجغرافيون مصطلح «البحار السبعة» للإشارة للبحار التي كانت معروفة لديهم وتستخدم في طرق الملاحة والربط بين القارات حيث كانوا يعتقدون أن لا شيء وراء المحيطات سوى حافة تسقط منها السفن إلى المجهول..

ورغم أنني لم أجد مرجعا يحدد أسماء هذه البحار بالضبط، إلا ان البحار المعروفة للشعوب القديمة (منذ 3 آلاف عام على الأقل) كانت حسب علمي:

... البحر المتوسط، والبحر الأحمر، والبحر الأسود، وبحر قزوين، والخليج العربي، والبحر الإدرياتي (الذي يفصل إيطاليا عن البلقان) أما البحر السابع فأفترض أنه البحر الميت أو بحر العرب جنوب الجزيرة العربية...

وبطبيعة الحال قد تزيد أو تنقص معرفة القدماء ببحار العالم ، ولكن وجود الرقم «سبعة» كان دائما أمراً يستحق الذكر ويضفي هيبة وإجلالا على كل مايلتصق به..

فالرقم سبعة كان دائماً رمز التمام والكمال ويحظى بتقديس خاص (خصوصا لدى الثقافات المحيطة بالبحر المتوسط).. لهذا السبب كان هناك دائما سبع سماوات، وسبعة أيام، وسبع أراض، وسبعة كواكب، وسبع قارات، وسبع قراءات، وسبع موبقات، وسبع عجائب... وبالتالي؛ لما لا يكون هناك «سبع بحار» يصعب إضافة أو حذف أي بحر جديد إليها...

وفي الحقيقة ليس أدل على رمزية الرقم (سبعة) من بقائه واستمراره حتى يومنا هذا مقابل تبدل أسماء البحار نفسها خلال الزمن.. فالرومان مثلا والإيطاليون في عصرنا الحالي يشيرون إلى البحيرات الموجودة في منقطة البندقية بالبحار السبعة.. والروس يصفون بحيرات سيبيريا بما فيها بايكال أعمق بحيرة في العالم بالبحار السبعة.. وفي عصر الاستكشافات الجغرافية تم حذف معظم الأسماء القديمة وإضافة البحر الكاريبي والياباني والمحيطين الأطلسي والهادي وخليج المكسيك إلى قائمة «البحار السبعة»!!

...وهذا كله يؤكد أن «البحار السبعة» مصطلح رمزي وميثولوجي أكثر منه جغرافي وواقعي لايمكن الإجابة عليه بمعزل عن الفكر الاسطوري والحقبة التاريخية التي ظهر فيها !!

وإن كان الأمر يهمكم .. هذه سابع مرة توحي لي مياس بفكرة مقال !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...