الأحد، 28 يوليو 2019

سمعت أنهم يفضلون الحنطة هناك


هناك شخصية سياسية نادرا ما يتذكرها أحد الآن (وبيني وبينكم، كان نادرا ما يتذكرها أحد حتى أثناء وجودها في المنصب).

كان اسمه دان كويل الذي اختاره الرئيس بوش (الأب) نائبا له كونه لا يثير حفيظة أو اعتراض أحد.. والأهم أن تواجده بقرب الرئيس يصرف عنه وسائل الإعلام.. فبالاضافة لصغر سنة وانعدام خبرته كان كويل يتميز بركاكة لغوية وسذاجة سياسية وسرعة ارتباك شكلت مادة خصبة للأعمدة الصحفية والبرامج الليلية والرسومات الكريكاتورية.. فأمام شاشات التلفزيون مثلا صافح إحدى السيدات قائلا: «أنا دان كويل، من أنت ياسيدتي!؟» فقالت: «أنا من حرسك الخاص ياسيدي».. وفي أحد اللقاءات قال: «ليس التلوث هو ما يهدد حياتنا بل التلوث الذي ينتشر في الماء والهواء والحمامات المغلقة»، وحين أراد الدفاع عن سياسة بوش الاقتصادية قال: «إذا لم تنجح خطة الرئيس فهذا يعني انها ستفشل بكل تأكيد».. وحين أراد ترقيع كلامه قال «فكما تعلمون.. يوم بلا شمس يعني.. ظلام دامس»!!

على أي حال، رغم براعة كويل في التصريحات السخيفة إلا أنه كان أهون بكثير من الرئيس بوش (الابن) ووزير دفاعه رامسفيلد اللذين يستحقان بالفعل جائزة الركاكة اللغوية والتصريحات الفجة.. وبما أنني سبق وخصصت مقالا كاملا للتصريحات الساذجة والغبية لبوش الابن (ابحث عنه بعنوان البوشولوجيا) لم يبق غير إخباركم بما قاله رامسفيلد في عهده: فحين سئل إن كان هناك أساس قانوني للمطالبة بتعويضات لضحايا تفجيرات نيويورك قال: «اعتقد ذلك؛ فحين يموت الانسان يفقد جزءا كبيرا من حياته».. وفي ديسمبر 2003 فاز بجائزة «الرطانة والركاكة اللغوية» التي تمنحها سنويا هيئة بريطانية تدعى «شكسبير» تأخذ على عاتقها حماية اللغة الانجليزية من الانحدار وسوء الاستعمال. فبعد البحث والتمحيص منح أعضاء الهيئة جائزتهم السنوية لتصريح رامسفيلد حول عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق حين قال للصحافيين: «التقارير التي تقول ان شيئا ما لم يحدث هناك هي في الغالب قد تكون محل اهتمامي لأنه كما نعرف هناك أشياء من المعروف أنها معروفة وأشياء نعرف أننا نعرفها وأشياء معروفة لمن لا يعرفونها.. وما أريد قوله انه من المعروف أن ثمة تقارير غير معروفة وأشياء لا نعرف عنها غير تلك المعروفة سلفا حول هذه الأسلحة غير المعروفة للعالم».. ومثل هذا «التخبيص» يؤكد صعوبة الجمع بين السياسة والأدب، وبين وزارة الدفاع وبلاغة شكسبير.

وتصريحات رامسفيلد عموما لم تكن تقل في سطحيتها وسذاجتها عن تصريحات الرئيس بوش الذي قال قبل غزو العراق - أثناء لعب الغولف أمام شاشات التلفزيون: «انني أدعو جميع الدول الى ازالة النظام العراقي وملاحقة الارهابيين وقتلهم اينما كانوا، والآن تابعوا حركة اللعب هذه».. وأصاب بكرته كرش رامسفيلد!!

وحركة اللعب هذه تؤكد تمتعه - ليس فقط ببلادة الاحساس - بل وبعقلية منعزلة ومستهترة لا تختلف عن عقلية الامبراطورة ماري انطوانيت التي قيل لها: «إن سكان باريس يتظاهرون من أجل الخبز» فأجابت «ليأكلوا الكعك إذاً، والآن مارأيكم بباروكتي الجديدة».. ورغم اختلاف المؤرخين في دقة هذا التصريح إلا أنه غدا مثالا للانعزال والغفلة التي يعيشها السياسيون والارستقراطيون بعيدا عن معاناة الشعوب.. فبالإضافة لعائلة بوش هناك رئيسة وزراء بريطانية السابقة مارغريت تاتشر (التي سمعت أنها خرفت اليوم) والتي وقعت في نفس المطب حين سئلت: «لماذا لا تساهم حكومتك في إنقاذ الجياع فى الصومال من خلال فائض القمح البريطاني» فأجابت: «أوووه دييير سمعت انهم يفضلون الحنطة هناك»..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...