الثلاثاء، 23 يوليو 2019

نبوءة آرثر كلارك


في منتصف إحدى ليالي ديسمبر 2020؛ وفى نفس الوقت واللحظة، ينطلق رنين الهواتف في كل بيوت ومكاتب وجوالات العالم.. هذا الحادث لم يعبأ به احد وظن كل انسان انه خطأ تعرض له وحده؛ ولكن ماحدث فعلا هو ان شبكة الهواتف العالمية توسعت وتشابكت الى مستوى المخ البشرى والوعي الذاتي وتحولت الى عقل الكتروني عملاق مستقل.. وكانت رنة الأجراس نذير الميلاد المشؤوم!

هذه النبوءة العجيبة هي أساس رواية "الوليد المرعب" للكاتب البريطاني آرثر كلارك. وهى تعبر عن هاجس عميق وتساؤل قديم عن الحد الفاصل الذى ينبغي تجاوزه حتى تصل شبكة الاتصالات (والانترنت الحالية) الى مرحلة الذكاء الانساني والاستقلال الذاتي.

فهناك فرضية قوية تقول ان الوعي الانساني سببه الارتفاع لمستوى معين من التشابك والترابط والتكامل بين ملايين الخلايا العصبية في الدماغ البشري وهو ما قد يحدث بسهولة في شبكة الاتصالات العالمية!

وحتى ان افترضنا عدم صحة هذه الفرضية نجد أننا كبشر لم نتفق بعد على تعريف نهائي (للوعي).. فهل هو مثلا خاص بالإنسان؟.. وهل يكتمل في سن معينة؟.. وهل الحيوانات الأليفة تدرك حقيقة الأشياء ومعنى الوجود؟.. وكيف نجزم بأن الأشجار والنباتات لا تعي؟!

من الواضح أننا نتخذ من ذاتنا مقياسا لوعي الأشياء ومستوى الشعور لديها؛ وعليه لن يصبح الكمبيوتر في نظرنا واعيا حتى يملك (مثلنا) حواسا خمسا؛ ويستطيع التفكير واتخاذ المبادرات ذاتيا!

ولكن إن كان هذا المطلوب (!!) فهو ابسط واقرب مما نتصور؛ فالكمبيوتر هذه الأيام يستطيع ان يرى ويتكلم ويسمع (...) وهذه الإمكانيات إذا جمعتها في جهاز واحد أصبح لديك رجل آلي او روبوت ذكي. ولكن هل يعني هذا أننا توصلنا الى شيء واع مستقل؟!.. أم ان الوعي يتطلب كذلك القدرة على التفكير والتخطيط الذاتي؟!

في الواقع حتى المطلب الأخير ليس بعيد المنال من خلال أبحاث مايعرف ب"الذكاء الاصطناعي". ولكن كما هي مشكلتنا مع الوعي لم نتفق بعد على تعريف الذكاء ولا نفهم كيف يتولد داخل المخ.. بل لا نستطيع الجزم ما إن كان التفكير خاصا بالدماغ وليس مثلا موهبة تابعه للقلب (فتكون لهم قلوب يعقلون بها)!

هذه الاسئلة الحائرة اظهرت لكتاب الخيال العلمي ثغرات صاغوا من خلالها حبكات ادبية سيطرت فيها الآلات المفكرة على البشر وسخرتهم لخدمتها.. ففى رواية "الترمنيتور" مثلا تنشب حرب نووية هائلة تقضي على معظم سكان الارض. هذه الحرب لم تبدأ بها امريكا او روسيا بل شبكة الكمبيوتر العملاقة التابعة لوزارة الدفاع الامريكية (سكاي نت)؛ فهذه الشبكة وصلت في توسعها وتعقيدها لمستوى الوعي والادراك واتخاذ المبادرات ذاتيا فأمرت باطلاق الصواريخ على "الكتلة الشرقية" الامر جعلها ترد بالمثل.. وفي خطوة تالية عقد هذا الكمبيوتر (الذي حصنه الانسان ضد اخطار الحرب النووية) تحالفات مع كمبيوترات العالم للقضاء على بقية البشر بواسطة رجال آليين لا يعرفون الرحمة ولا الكلل..

وهذه الرواية النموذج لا يمكن القول انها خيالية بحتة كون شبكة الإنترنت والاتصالات العالمية (التي تديرها كمبيوترات عملاقة) غطت بالفعل العالم أجمع.. وتقوم بين الحين والآخر بحركات تمرد وعصيان تخالف الفهم والمنطق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...