الثلاثاء، 30 يوليو 2019

لماذا لا ننام واقفين ؟


سمعت منذ طفولتي أمثالاً كثيرة عن النوم من بينها:

"نوم الظالم عبادة" و "نايم نومة الملوك" و "الذيب ينام وقلبه ماينام" و"البومة تنام وعيونها مفتوحة" ... وكذلك "ينام نوم البغل" و "ماتنام البقرة مع الحصان" !!

وما لاحظته شخصيا أن معظم هذه الأمثلة إما ترتبط بكمية النوم أو عمقه أو تأثره بمحيطه..

خذ كمثال المثل الأول الذي يوحي بمحاسن النوم الطويل للظالم والطاغية

والثاني الذي يوحي بالثقة والطمأنينة (ويذكرنا بقول مرسول كسرى: عدلت فأمنت فنمت)..

أما الثالث فيتعلق بحالة النوم السطحي والحذر من النوم العميق (وأرى أنه يتعلق بالدولفين أكثر من الذئب)..

أما البومة فتشترك مع البطريق (وطيور كثيرة) في بقاء أعينها مفتوحة حتى أثناء نومها...

أما وصف نوم أحدهم بنوم "البغل" أو "البقرة" فكنت أظنه يتعلق بطول فترة النوم والمبالغة فيها حتى اكتشفت أنه (على العكس تماما) يتعلق بقلة النوم والاستيقاظ لأطول فترة ممكنة.. فالبغل ومعه الحصان لا ينامان لأكثر من 3 ساعات في اليوم.. أما البقرة فتكتفي ب4 ساعات وتظل مستيقظة حين تحشر مع مخلوق مختلف (الأمر الذي يفسر عجزها عن النوم مع الحصان)!!

وفي المقابل هناك مخلوقات تقضي معظم حياتها نائمة لدرجة تتساءل لماذا خلقت أصلا!؟

.. فالدب الكسلان مثلا ينام لأكثر من 20 ساعة ولا يستيقظ إلا لتناول الأوراق والأغصان القريبة.. وكذلك القوارض والقنافذ والفئران البنية تنام لنفس الفترة في أماكن مظلمة ومحشورة .. أما الأسد ملك الغابة ؛ فاتضح أنه ليس ملكاً (ولا يعيش في الغابة) بل مخلوق كسول نذل ينام لأكثر من 14 ساعة ولا يستيقظ إلا لمعاشرة اللبوات وأكل ماتصطاده من فرائس .. وبين هؤلاء وهؤلاء يقع الإنسان الذي ينام 8 ساعات في المتوسط ويقضي ثلث حياته (مسطحا) فوق السرير..

ولكن لماذا هذا التفاوت بين المخلوقات؟

.. لماذا يحتاج الأسد ل 14 ساعة في حين يكتفي الحصان ب3 ساعات فقط؟

.. لماذا ينام الدب الكسلان لأكثر من عشرين ساعة في حين تكتفي الأبقار ب4 ساعات فقط!؟

.. لماذا لا ينام الإنسان (الأكثر ذكاء) أقل من الفيلة والخيول.. أو لا ينام مثلها (واقفا)؟

... لا يوجد جواب مؤكد ولكن لوحظ ارتباط هذه الظاهرة بعوامل فضفاضة مثل: حجم المخلوق، وحاجته للطعام، وطبيعة المناخ، وما إن كان مفترساً أم ضحية...!!

فالثدييات الصغيرة مثلا (كالفئران والقوارض) تنام أكثر من الكبيرة (كالفيلة والأبقار)!!

والمخلوقات العاشبة (كالفيلة والأبقار) تنام أقل من المفترسة (كالأسود والضباع)!!

والحيوانات المفترسة (التي لا تخشى أحدا) تنام "نومة الملوك" مقابل طرائد تخشى التهامها في أي لحظة (كالغزلان والظباء التي بالكاد يغمض لها جفن) !!

أضف لهذا قد يجبر المناخ المتطرف بعض المخلوقات كالسناجب والقنافذ والخفافيش والدببة على الدخول في حالة سبات طويل تتجاوز بفضله البرودة الشديدة وشح الغذاء وانقطاع الأمطار...!!

وما أراه غريبا بالفعل هو أن يتعلق طول النوم بكل هذه العوامل (والغرائز البدائية) في حين لا يرتبط أبدا بسلم الذكاء أو حجم الدماغ أو مستوى الملكات الذهنية لدى المخلوقات!!

فالإنسان مثلاً يقع في قمة الذكاء وضخامة الدماغ ومع هذا ينام أكثر من الحصان، وأقل من الفئران، وتتأثر ملكاته الذهنية في حال انخفضت ساعات نومه..

وبعد الإنسان يأتي في سلم الذكاء الدولفين والشمبانزي والفيل التي تملك أنماطا غير متشابهه من النوم.. فالدولفين لا ينام تقريبا (كي لا يغرق) ويكتفي بإغلاق أجزاء من دماغه للراحة.. وفي المقابل ينام الشمبانزي لعشر ساعات عميقة والفيل لأربع ساعات سطحية في وضعية الوقوف (كونه يشترك مع الحصان في امتلاك نظام شد في الركبة يمنعه من السقوط)!!

... وكل هذه التقاطعات والاختلافات تجعل من الصعب تحديد أسباب تفاوت فترات النوم لدى المخلوقات رغم اشتراكها - في النهاية - بحاجتها للسقوط فيه والخضوع لسلطانه..

سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...