الأحد، 28 يوليو 2019

مسافر زاده الوسادة


تخيل انك اكتشفت طريقة لبرمجة احلامك ورؤية ما تريد.. تخيل الإمكانيات التي ستنالها من خلال موهبة فريدة كهذه.. سيتاح لك الليلة السفر لسويسرا وغدا الى باريس وبعد غد الى غابات افريقيا او الأمازون. وان كنت من فئة (الموظفين في الارض) ستكون اليوم وزيرا وغدا اميرا وبعد غد أمينا للامم المتحدة.. وبالطبع كل هذه المزايا لا تقارن مع عثورك على مملكة النساء حيث لا يوجد فحل غيرك.. وحينها سيتساءل الجميع عن سر نومك الطويل!!

ومهما كانت أمنياتك ومهما تنوعت رغباتك سيكون وضعك في الحلم رائعا وجميلا وستنام سعيدا مهما كنت تعيسا، كما قال شاعر جائع:

اذا تمنيت بت الليل مغتبطا ** ان المنى رأس مال المفاليس

وما يبدو لي أن تحقيق "حلم" كهذا بات أقرب مما نتصور. فقبل فترة بسيطة مثلا قرأت خبرا عن اختراع كهذا في اليابان. وهو بمثابة "جهاز" يعتمد على تكرار مؤثرات سمعية وبصرية مختارة على حواس النائم (وبالتالي لا يضمن دقة التفاصيل كونه يضع النائم ضمن هامش كبير من الأحلام ذات العلاقة).

وفي اكتوبر الماضي أنهى فريق من جامعة هارفارد دراسة فريدة لبرمجة الاحلام ومحاولة رؤية ما نريد خلال النوم.. وقاد الفريق الدكتور روبرت جولد الذي طلب من 17 متطوعا مزاولة مجموعة من ألعاب الكمبيوتر لوقت طويل قبل النوم. وكانت الالعاب موحدة ومشتركة وتضم عناصر يمكن تمييزها خلال الحلم.. والفكرة هنا هي الوصول لمرحلة التشبع من سيناريوهات وأحداث معينة ثم قياس نسبة ظهورها في احلام المتطوعين.

وبعد ثلاثة أيام من الممارسة المتواصلة - والمتماثلة - اتضح أن الواقع الحياتي المشترك يعطي أحلاما مشتركة بنسبة أكبر (حيث افاد 60% من المتطوعين انهم رأوا نفس العناصر والأحداث في أحلامهم).. كما اتضح أن الاحلام المستمدة من سيناريو الألعاب تزايد عددها بالتدريج حتى وصلت اقصاها في الليلة الثالثة وهو ما يؤكد حاجة المخ لفترة معينة حتى تطغى عليه فكرة وحيدة (وهو ما يفسر استيقاظنا صباحا وفي رؤوسنا فكرة قديمة أو لحن جميل يتكرر بإصرار).. كما ثبت ان من حققوا نتائج سيئة في بعض الالعاب حلموا بها بنسبة اكبر ممن حققوا فيها نتائج عالية (وهذه النتيجة تؤيد الفرضية التي تقول إن المخ يستمر بالتعلم وتصحيح أخطائه خلال النوم؛ الأمر الذي يفسر لماذا نستيقظ ذات صباح وقد وجدنا حلا لمشكلة عويصة عجزنا عن حلها الاسبوع الماضي)!!

غير أن نتائج الدراسة بمجملها لا تفسر نوعا خارقا من الأحلام والرؤى التي نرى خلالها أحداثا وكوارث تقع في المستقبل.. فبعد غرق التيتانك مثلا افاد معظم من ألغوا حجوزاتهم انهم حلموا بكارثة تصيب السفينة.. كما اتضح ان "السبب الأول" وراء إلغاء رحلات المسافرين - في حوادث الطيران - هو الحلم بسقوط الطائرة في الليلة السابقة.. وكنت في كتاب حول العالم قد اقترحت إنشاء (مركز للتنبؤات المنامية) بعد ان اتضح ان معظم الكوارث المشهورة شوهدت في أحلام الناس قبل وقوعها.. واليوم اكرر هذا الاقتراح من خلال موقع إلكتروني أو محرك بحث على الانترنت يتلقى أحلام الناس في (غرفة مقاصة) ويختار الاكثر تكرارا بينها!!

ولكن.. أتعرفون أين تكمن المشكلة؟!

.. في أننا لا نتذكر أحلامنا إلا بعد ان نراها قد تحققت فعلا على أرض الواقع!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...