الثلاثاء، 23 يوليو 2019

خدعوك فقالوا


جميعنا يتبنى خرافات طبية وصحية ما أنزل الله بها من سلطان.. خرافات نبتكرها أو نتوارثها لا تستند إلى دراسات علمية أو أبحاث ميدانية أو حتى براهين نظرية..

فأنا مثلا أسمع بكثرة نصيحة مسجوعة مفادها "تعشى وتمشى". ولكن حسب معلوماتي المتواضعة لو قرر معظمنا تطبيق هذه النصيحة بإحكام لعرضنا أنفسنا لاضطرابات طارئة في الدورة الدموية (قد تنتهي بالإغماء وهبوط الضغط).. فالقلب يرسل كميات إضافية وطارئة إلى العضو العامل أكثر من غيره (كأن يرسل كميات إضافية الى عضلات الفخذين عند الهرولة، أو الى المعدة عند تناول وجبة افطار ضخمة في رمضان).. أما حين تقرر فعل الأمرين معا فستقل نسبة الدماء الذاهبة لكليهما وبالتالي تضع قلبك في مأزق يحتار فيه إلى أي الجهتين يميل (الى المعدة المتخمة ببقايا المفاطيح؛ أو الفخذين والرئتين اللتين تتحملان عبء المشي الطويل)!!

ومقولة "تعشى وتمشى" مجرد نموذج لنصائح شعبية تلقى رواجا بسبب نغمتها الموسيقية وسجعها الجميل. ولكنها في الحقيقة مجرد واحدة من خرافات كثيرة نتداولها حول الغذاء وكيفية تناوله (مثل عدم جواز أكل اللبن مع التونة، أو العسل مع الخربز، أو أكل الملوخية أثناء النفاس أو الكسور...). وهذه كلها إما افتراضات خاطئة أو مبالغات ساذجة أو لا تنطبق إلا على حالات خاصة مثل مشاكل التحسس أو الاختلاطات الدوائية أوالتحضيرات الجراحية!!

ومن جهة أخرى هناك خرافات كثيرة قد تبدو لنا بدهية ومسلما بها مثل الادعاء بأن (الأطعمة الطازجة أفضل من الأطعمة المعلبة أو المحفوظة).. فالمعلبات والأطعمة المحفوظة معبأة تحت شروط صحية ومعايير صارمة اتفقت عليها معظم الدول في حين قد تتعرض الأطعمة الطازجة إلى مخاطر التلوث والانكشاف للجراثيم وسوء التخزين والتفاعلات الضارة بنسبة أكبر..

أيضا هناك الادعاء بأن تناول الشوكولاته يزيد من حب الشباب، أو تناول الدسم يزيد الدهون في الشعر.. وهذا غير صحيح على الإطلاق بالنسبة للشوكولاته، أما بالنسبة للدهون فلم تثبت أي علاقة بينها وبين معدل الافرازات الدهنية في فروة الرأس!!

أيضا سمعت أن الكبد مغذّية جدا للحوامل والنفساء بوجة خاص.. ولكن لا ننسى أنه رغم احتوائه على الحديد والعديد من الفيتامينات المهمة، يضم أيضا تركيزا عاليا من الكوليسترول والخلايا الميتة وكريات الدم التالفة للحيوان نفسه.. والأسوأ من هذا أن أكباد المواشي تخزن الفائض من الكيميائيات والهرمونات الاصطناعية التي تتناولها في المزارع!

وهناك اعتقاد قديم مفاده أن الأطعمة ذات الرائحة الكريهة فاسدة ومضرة، وذات الرائحة الزكية طازجة ومفيدة.. ولكن هذا ليس صحيحا دائما؛ فكثير من الأجبان والألبان والأطعمة المخمرة تتمتع برائحة كريهة ولكنها لهذا السبب بالذات تضم تركيزا عاليا من الفيتامينات والمعادن. وفي المقابل هناك فواكة وخضروات سامة وضارة بطبعها ومع ذلك تتمتع بروائح عطرية زكية وجذابة لجلب الحشرات.. وأيضا البشر.. نحوها!

ورغم أنني شخصيا أنصح أطفالي بتناول الجزر (كعنصر مفيد للبصر) والليمون (حين يصابون بالبرد والزكام) إلا أن شهرة الاثنين مبالغ فيهما بالتأكيد؛ فرغم أن الجزر يضم فعلا مادة ال(بيتاكاروتين) التي تتحول الى فيتامين A المفيد لقرنية العين ولكن هناك أطعمة كثيرة تضم هذا الفيتامين فضلا عن عدم وجود علاقة بينه وبين مشاكل البصر الخلقية.. ونفس الوضع ينطبق على الليمون الذي يضم فيتامين C ولم تتأكد فائدته أبدا للبرد والزكام (وحتى إن تأكدت يوجد هذا الفيتامين في أطعمة كثيرة غير الليمون)!

كل هذا يدعونا لتجاهل أي نصائح من هذا النوع (ما لم تؤكدها دراسة علمية جادة) والاستعاضة عنها بنصيحتين أكثر منهما شمولا ومصداقية:

الأولى: نوّع طعامك قدر الامكان وارفع نسبة الخضار والفواكة فيه.

والثانية: اعتدل في تناول كافة الأنواع (فما ملأ الانسان وعاء شرا من بطنه)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...