الأحد، 14 يوليو 2019

خواطر مع العملات الصعبة


أخوكم في الله مثل كل الكتاب يجيد الحديث عن الاستثمار ولكنه يعجز عن تحويله لحقيقة وواقع.. فأنا ببساطة آتي متأخرا حين تهب موضة استثمارية جديدة؛ وبالتالي لا ألبث إلا قليلا حتى تنفجر الفقاعة وأصبح أول المتناثرين...

وهذا بالضبط ما حدث لي مع فقاعة الأسهم وفورة الأراضي ويحصل لي هذه الأيام مع العملة الأوربية المفلطحة.. فرغم أن المؤمن يلدغ هذه الأيام من كل الجحور لم أتعلم الدرس وسارعت لشراء كميات محترمة من هذه العملة حين سمعت بهبوطها.. قبل أن أكتشف أنها.. ما زالت تهبط!!

ورغم معرفتي بهذا الاحتمال يبدو أنني اتخذت قراري تحت تأثير أول لقاء جميل لي مع اليورو..

ففي عام 2000 كانت عملتنا المحلية (المرتبطة بالدولار) قوية الأمر الذي ساعدني على "لف" أوربا خلال شهرين.. فسعر اليورو كان يومها بحدود الثلاثة ريالات قبل أن يرتفع في أعلى مستوياته إلى خمس ريالات في أغسطس 2008.. وقبل سفري بأيام هبط أكثر واكثر فاعتبرت نفسي محظوظا كون أوربا أصبحت أرخص من أي وقت مضى (ومن يومها وأنا ألوم نفسي على عدم شراء كميات إضافية من اليورو)!!

... وكان هذا أول احتكاك مباشر لي مع اليورو ...

... أما أول احتكاك لي بالدولار فيعود الى منتصف الثمانينيات حين سافرت لأمريكا لدراسة اللغة الانجليزية.. غير أنه لا شيء يستحق الذكر في هذه الفترة (حيث كنت مهتما فقط بصرف ما يرسله الوالد) وبالتالي سأقفز معكم إلى منتصف التسعينيات حين قبضت بجدي واجتهادي أول وآخر راتب بالدولار...

ففي عام 1995 عرضت علي مجلة الصياد اللبنانية العمل كمندوب لها في الخليج. وحينها كان أحد مسؤولي المجلة في زيارة للسعودية فاقترح لقائي في أحد فنادق جدة. وبالفعل ذهبت اليه واتفقنا على كل شيء حتى حانت اللحظة الحاسمة (كم تدفعون؟)..

وكي لا يسمع أحد كتب على ورقة صغيرة هذا الرقم (1500) ودفعها إلي. ولأول وهلة شعرت بالإهانة لأن هذا المبلغ لم يكن يساوي شيئا بالليرة اللبنانية.. وحين أخبرته بذلك قال: "شو أخي مين جاب سيرة الليرة"!؟

فقلت بإصرار: "برضة مايزال المبلغ قليلا بالريال"!

فقال "شو أخي، مين جاب سيرة الريال!؟"

عندها قلت أنا "شو أخي، بأي عملة تتعاملون هذه الأيام!؟"

ضحك ملء شدقيه وقال: "ربي يخليلناياك هو فيه غير الأخضر هذه الأيام".. عندها فقط ارتاح قلبي وشعرت أنني دخلت عصر العولمة ونادي القبض بالدولار!!

... أذكر يومها أنني استغربت كيف يقدم لي عرضا بالدولار وليس بالفرنك الفرنسي مثلا (عطفا على علاقة فرنسا الثقافية والتاريخية بلبنان).. غير أنني سرعان ما أدركت أن اللبنانيين هجروا الفرنك الفرنسي كما بدأوا بهجرة اللغة الفرنسية للانجليزية حتى قبل ظهور خليفته اليورو.. ولأنهم يملكون ذكاء عالميا بهذا الخصوص أصبح الدولار اليوم كما شاهدت في زيارتي الأخيرة للبنان عملة شعبية مقبولة ومفضلة حتى لدى بائع الآيسكريم !!

... وفي الحقيقة ليس من قبيل الصدفة حشر بائع الآيسكريم في الموضوع .. ففي بيروت زرت سوقا شعبيا يقام يوم الأحد فقط (لا أعتقد أن سعوديا دخله قبلي).. وعند بائع الآيسكريم أخرج رجل عجوز عملة أرمينية لشراء "كوز آيسكريم" فلم يقبلها صاحب الكشك.. فعاد وأدخل يده في جيبه وأخرج عملتين الأولى ليرة لبنانية والثانية سورية فلم يقبلهما أيضا وقال بصراحة: "مانتعامل إلا بالدولار".. فقال العجوز بعصبية: " شووو أخي مابتتعامل بالأرميني ولا بالسوري ولا حتى بعملة بلدك"؟.. فرد عليه البائع ببرود وهو يعيد الآيسكريم الى السطل: "ماكلن ألعن من بعض"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...