الاثنين، 22 يوليو 2019

خيالنا العلمي


إعجابي بقصص الخيال العلمي قديم وعظيم، ولو كان للمرء أن يختار قدره لاخترت أن أصبح كاتب خيال يشار إليه بالبنان...

وما من شك أن (ابتكار) أدب الخيال العلمي فتح المجال واسعاً لاستطراق مواضيع وأفكار وإنجازات جريئة لم تعرف من قبل ؛ ف"الأدب العلمي" ولد كنتيجة للنهضة العلمية في القرنين الماضيين وعمل في أحيان كثيرة كحافز ودافع لها..

ولا ينكر أحد أن أدب الخيال العلمي كان أوروبيّ المولد ونضج على يد أدباء أخلصوا له مثل الإنجليزي جورج ويلز والفرنسي جول فيرن (وإن كانت الثقافات الشرقية هي الأسبق في روايات الفنتازيا وخرافات ماوراء الطبيعة مثل قصص الجان والغيلان ومصباح علاء الدين وطاقية الإخفاء)..

أما اليوم فيمكن القول إن الأدب العلمي تجاوز حدوده الكلاسيكية وبدأ يتفرع إلى أنواع جديدة هي خليط بين العلم والفنتازيا والظواهر الخفية لدرجة أن كثيراً من الروايات يصعب تصنيفها تحت أيّ من الأنواع الأدبية المعروفة..

ومقارنة بالغرب، ما زال أدب الخيال العلمي يعتبر هامشياً وخجولا في عالمنا العربي - وما زال أدباؤنا يدورون في فلك العناصر الأدبية القديمة كمقابلة أناس من الفضاء أو الرحلة عبر الزمن، أو تحضير عقاقير سحرية خارقة....

ومع هذا لا ننكر أنه كان لمصطفى محمود، وطالب عمران من سورية، وعبد السلام البقالي من المغرب محاولات جيدة في هذا المجال.. كما يعتبر الكاتب المصري نهاد شريف (الذي سبق أن تحدثت عنه في مقال بعنوان الألماسات الزيتونية) من أكثر الأدباء العرب إخلاصاً لهذا النوع من الأدب الروائي، فمنذ روايته الأولى عام 1972 وهو لا يكتب سواه ولا يتعداه لغيره.. ومن أول أعماله "قاهر الزمن" ثم "سكان العالم الثاني" و"بالإجماع" و"الماسات الزيتونية" حتى زادت أعماله على التسعين ما بين رواية وقصة ومسرحية !

وتدور روايته "قاهر الزمن" حول طبيب يدعى حليم صبرون يقوم بتجارب سرية غامضة على تجميد البشر للعبور بهم إلى القرون التالية (وهذه الرواية بالذات أنتجت كفيلم تحت نفس العنوان عام 1987 من إخراج كمال الشيخ )..

ولأن الكاتب نهاد شريف كان طبيباً يعاني من متاعب في الكلى، نرى هذين العنصرين قد أثرا في روايته "الماسات الزيتونية".. فهذه الرواية تبدأ بتساؤل أحد الأطباء (ويدعى عبداللطيف) عن إمكانية تحوير كلى الإنسان لإنتاج الألماس بدلاً من بلورات الأكسلات.. وبعد تجارب مضنية ينجح في إنتاج الماسات من كلى مرضاه "كما ينتج المحار اللؤلؤ" فيحقق ثروة طائلة، ولكنه في النهاية يقضي على نفسه بمحاولته إنتاج ماسات أكبر من كليتيه هو !

... على أي حال؛

باستثناء هذه الأسماء يصعب العثور على أديب عربي مخلصاً أو متفوقاً في هذا النوع من الكتابة الأدبية - خصوصاً في ظل عجز أدبائنا عن ملاحقة واستيعاب الجديد في دنيا العلوم والتقنيات الحديثة.. فأدب الخيال العلمي ليس بالسذاجة التي يتصورها البعض كون الكاتب من هذا النوع يجب أن يكون عالماً في الأساس - أو على الأقل متابعا للمستجدات العالمية - وفي نفس الوقت أديباً قادرا على الصياغة، وتصور نتائج المستقبل والبناء عليها .. وهذه المعادلة تعني أننا أمام كاتب من "العملة الصعبة" يملك في نفس الوقت ثلاث مواهب نادرة هي: استيعاب العلوم الحديثة، والقدرة على استشفاف نتائجها والبناء عليها، ثم إعادة صياغتها بطريقة أدبية وقالب قصصي جذاب!!

... وموهبة مركبة كهذه تختلف بالتأكيد عن رواية تنظيرية صاخبة لا تتطلب أكثر من ورقة بيضاء وفنجان شاي... وعزف على وتر حساس...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...