عرفتُ خلال حياتي الكثير من الأطباء الذين يأسرونك بأخلاقهم قبل علمهم وتخصصهم.. ولكنني عرفت أيضا الكثير من الأطباء الذين يتعاملون مع المريض بقدر كبير من الفتور والتعالي وعدم الإنصات .. وهذا ماحدث لي قبل أيام حين كنت في إحدى العيادات الخاصة أحاول شرح حالتي لطبيب متجهم لم يلتفت لي أصلا بل وقاطعني موجها كلامه للممرضة "قيسي الضغط والسكر"!!
وهي تجربه تضاف لتجارب سابقة لاحظت فيها عدم اهتمام بعض الأطباء بالحديث مع المراجعين ومحاولة القفز فورا لتنفيذ "الإجراءات المتبعة".. وتصرف كهذا لا يصيب المريض بالصدمة فقط بل يفقده الثقة بالطبيب وطريقته بالعلاج ناهيك عن إجراءاته المتبعة..
فالمريض أو المراجع لايحتاج إلى وصفة قد يعرفها مسبقا بقدر مايحتاج إلى من يطمئنه على حياته ومستقبله الصحي .. فالمريض يريد من الطبيب لعب دور المرشد الاجتماعي الذي يخبره بأن كل شيء رائع وأن صحته على مايرام.. فكم من مريض خرج متفائلا لمجرد أن الطبيب كان لطيفا معه وطمئنه بأنه "زي الحصان". وكم من مريض خرج بنفسية أسوأ من السابق لأن الطبيب تعامل معه كماكينة صدئة أو علبة تونة انتهت صلاحيتها..
استطلاعات الرأي اظهرت أن تقييم المريض للطبيب يعتمد قبل كل شيء على نسبة الملاطفة والزمن الذي يقضيه معه في الحديث (وليس على شهادات الزمالة التي جمعها) .. فالمريض يقدر كثيرا الزمن الذي يخصصه الطبيب لحالته، وكلما زادت فترة النقاش معه زاد حبا له واحتراما للاجراءات (والادوية) التي يصفها..
يقول الدكتور بيرني سيجل في كتاب معجزات الشفاء: "المشاركة العاطفية من الطبيب تبني جسرا ضروريا للشفاء. وحين يبقى الطبيب لدقيقة فقط يلاطف بها المريض ويتحدث معه حول حالته يشعر بها المريض وكأنها ساعة. ولو عاد للاطمئنان عليه لاحقا وحياه باسمه لرسّخ حبه في قلبه وبقي بذاكرته إلى الأبد"!
ولكن مايحصل غالبا أن الطبيب يحاول رؤية جميع المرضى خلال ساعة او ساعتين؛ وبالتالي لا يقضي مع كل حالة إلا ثواني معدودة يكون فيها الحاكم المطلق والمتحدث الوحيد.. وحتى هذا الوقت القصير يقضيه في قراءة الملف وتوجيه الارشادات دون الاستماع لصاحب الشأن (!!) وحين يغادر بسرعة يصاب المريض بالاحباط لأن الطبيب لم يستمع للاسئلة التي جهزها منذ زمن طويل فتنعدم ثقته بالطبيب والعلاج بأكمله ويفكر بالبحث عن طبيب آخر...
هذا عن الأطباء.. ولكن ماذا عن المرضى وكيف يجب عليهم التصرف حيال الطبيب الصامت!؟
... بدون شك معظم الأطباء مؤهلون ومتخصصون في مجالهم. غير أن ضيق الوقت وكثرة الواجبات تجعلهم دائما على عجلة من أمرهم ناهيك عن شعورهم بأنهم شاهدوا مثلك (كثييييير).. لهذا السبب إذا واجهت طبيبا صامتا فأنصحك بفعل ما أفعله شخصيا:
أولا: أخبره صراحة انه لم يخبرك بما يكفي وانك تريد شرحا كاملا لحالتك الصحية (سيصدم في البداية ولكنه سيتجاوب معك) !
ثانيا : لا تسمح له بالتوقف واطرح اسئلتك باستمرار (قد يتضايق منك ولكن لابأس فهذا عمله)!
ثالثا : تملقه كي يسترسل بالحديث وتحدث معه بطريقة "لو كنت مكاني ماذا تفعل؟" و "حسب خبرتك على أي علاج أستمر؟" (ورغم أنني اكره هذه الطريقة لكن نجاحها مجرب)!
رابعا : حضّر أسئلتك حسب أهميتها ولا تتشعب للمواضيع الجانبية إلا بعد الانتهاء من الاستفسارات الأساسية فأنت ايضا يجب أن تقدر ضيق الوقت وان هناك مرضى بالانتظار..
خامسا: تذكر جيدا أن الأطباء معتزون بأنفسهم (والبعض مغرور بالفعل) وحين يتعرضون للنقد يفقدون تركيزهم على الحالة؛ لهذا السبب تحاشى تلميحات مهينة مثل "الطبيب الفلاني قال لي شيئا مختلفا" أو "ولكن هذا العلاج ثبت فشله".. استوعب مايقوله جيدا ثم احتفظ باستنتاجاتك وخياراتك لنفسك!
وبطبيعة الحال..
لا تحتاج لمن يخبرك بأن الحالات العلوية تتفاقم في المستشفيات الحكومية ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق