الأحد، 14 يوليو 2019

الألماسات الزيتونية


الكاتب المصري نهاد شريف من أكثر الأدباء العرب إنتاجا لقصص الخيال العلمي. وقد وصلت أعماله الى مائة رواية كان أولها "قاهر الزمن" عام 1972 ثم "سكان العالم الثاني" و"بالإجماع" و"الماسات الزيتونية" ... والرواية الأخيرة تميزت عن بقية أعماله بفكرتها المدهشة وغير المستطرقة من قبل ؛ فلأن نهاد شريف كان في الأصل طبيبا ويعاني من متاعب في الكلى أثر فيه هذان العنصران وألهماه فكرة الرواية .. وتبدأ القصة بتساؤل أحد الأطباء (ويدعى عبداللطيف ) عن إمكانية حث الكلى على إنتاج الألماس بدل بلورات الاكسلات . وبعد تجارب مضنية ينجح في إنتاج ألماسات صغيرة من كلى مرضاه الفقراء بدون علمهم . ورغم انه حقق ثروة طائلة من هذا العمل إلا انه لم يجرب إنتاج ألماسات كبيرة خشية انكشافه من المرضى .. وفي النهاية يقرر إنتاج ألماسة كبيرة من كليته (هو) ولكنه يموت في النهاية حين تنفجر كليتاه فجأة !

هذه الرواية تذكرتها اليوم وأنا أقرأ خبرا عن نجاح العلماء في اليابان في استنبات قلوب وصمامات (حسب الطلب) .. وقبلها بفترة بسيطة قرأت عن استزراع كلية انسان في فأر صغير في معهد وايزمان في اسرائيل (حسب مجلة نيتشر ميديسن) .. وكلا الانجازين وأي انجازات شبيهة تسمع عنها مستقبلا تعتمد على استغلال الخلايا الجذعية التي لم تتحول بعد الى أنسجة أو أعضاء كاملة (كالعين والكبد والعظام). ولأنها خلايا أولية لم تتخصص بعد وتستخرج غالبا من الأجنة المجهضة لايتم رفضها إذا زرعت في جسم مختلف .. وأهمية هذه التجارب تكمن في امكانية إنتاج اعضاء بشرية مختلفة (كالكلى والقرنيات والقلب وخلايا الدماغ) حسب الحاجة لتلبية الطلب المتزايد على عمليات نقل الأعضاء !!

أيضا لا ننسى محاولات استغلال النباتات بنفس الطريقة (والتي كتبت عنها مؤخرا) حيث يمكن استغلال الهندسة الوراثية لحث النبتة على إفراز أدوية ولقاحات معروفة .. فالموز مثلا يمكن تهجينه بحيث يضم لقاحا لمقاومة الشلل أو الإيدز والطماطم يمكنها النمو وبها نسبة كبيرة من فيتامين دي أو مادة الفياجرا..

وفي أغسطس الماضي فقط أعلنت شركة برودجين ( Prodigene) في تكساس عن إنتاج ذرة مهجنة تعالج الإسهال المزمن . ومن المعروف ان هذه الحالة تودي بحياة آلاف الاطفال حول العالم وبالذات في المناطق الفقيرة حيث لا يتوفر الدواء.. وتقول الشركة ان مشروعها القادم سيكون إنتاج لقاح ضد فيروس الكبد الذي يقتل مليون شخص كل عام . وفي حين يصل سعر الدواء الى خمسين دولارا (وهو مالا يطيقه كثير من الناس) تأمل الشركة إنتاجه من خلال ذرة أو أناناس مهجنة !!

وغني عن القول ان هذه الطريقة مفيدة من نواح كثيرة ؛ فهي مثلا متاحة للدول الفقيرة (حيث يمكنها إنتاج فاكهة تضم لقاحا ضد الإيدز) كما انها مستساغة ومقبولة من قبل المرضى والاطفال (فهم بالتأكيد يفضلون أكل الموز على حقنة الطبيب) أضف إلى أن إنتاجها لايحتاج لمعامل معقدة أو تقنيات مكلفة (فالجميع يستطيع زراعة الذرة وشراء عنقود عنب) !

.. وعودة الى رواية نهاد شريف أتساءل عن إمكانية استغلال كلى الفقراء مستقبلا لإنتاج الألماس والأحجار الكريمة .. قد تكون الفكرة مجنونة وغير أخلاقية ولكنها بالتأكيد لا تبتعد عن فكرة استئجار الأرحام وشراء الأعضاء واستخراج الخلايا الجذعية من الأجنة قبل دفنها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...