الأربعاء، 11 مارس 2020

لنتحدث بصراحة عن الطب البديل


(الطب البديل) هو كل ممارسة طبية شعبية أو تكميلية أو روحية أو خارقة لا تدخل ضمن الطب التقليدي ولا تُدرس غالبا في الكليات الطبية.. فالعلاج بواسطة الوخز بالإبر والأعشاب والريفلوكسولوجي والممارسات الروحانية وأنواع المساج والتنويم المغناطيسي جميعها تدخل تحت خانة الطب البديل أو التكميلي أو الشامل أو الرديف إلى آخر هذه المسميات اللطيفة والمخادعة في نفس الوقت..

.. وأقول مخادعة لأنها توحي بوجود حلول بديلة أو تكميلية عجز عن اكتشافها الطب التجريبي الحديث.. ولكن الحقيقة هي أن الطب الحديث (علم تجريبي) يعتمد على البحث والدراسة وما تثبته التجارب على عينات كبيرة تمتد لسنوات كثيرة.. وفي المقابل يعتمد الطب البديل على حسن الظن، وبيع الوهم، والإيمان المسبق، وتأثير المحيطين بالمريض.. لا يملك تجارب موثقة ولا اختبارات مجربة ولا شهادات موثقة مثل الطب الرسمي ويمكن تصنيفه بكل سهولة تحت خانة "العلوم الوهمية" التي شرحتها في مقال خاص..

لا يوجد شيء في نظري يدعى علاجا "بديلا" أو "تكميليا"، بل علاجا ناجحا أو فاشلا أياً كان مصدره ومسماه.. الوسط الطبي الرسمي لا يمانع تجربة أي ادعاءات أو علاجات جديدة (حتى وإن كانت من شيخ يدعي اكتشاف دواء للكورونا ومن قبله الإيدز) ولكنه لا يسمح بتداوله رسميا إلا بعد اختباره وتوثيقه ودراسة آثاره ومضاعفاته.. حتى شركات الأدوية لا تمانع اختبار الادعاءات الجديدة (بل تطوف العالم بحثا عن منتجات شعبية تصبح أساسا لعقاقير جديدة) ولكنها في النهاية لا تبيع الأوهام للناس ولا تسوق منتجاتها قبل تجارب ودراسات تكلفها ملايين الدولارات..

وفي المقابل لاحظ مايحدث في دكاكين العطارين وما يسمى بالطب الشعبي أو البديل حيث لا تجارب ولا موثوقية ولا جهات رسمية تضمن أي منتج يباع للمريض.. تشتري خلطة مجهولة التركيب لا تعلم محتواها ولا كيفية تحضيرها ولا تعرف من ركبها أو باعها لك.. خلطة أو تركيبة أو سمها ما شئت لم تحضر في ظروف معقمة وآمنة وخاضعة للتجربة ولا يعرف أحد تأثيراتها الجانبية أو بعيدة المدى..

الشائع هو أنك ستتعرض لغش يتضمن المبالغة في السعر، أو سماع فوائد خارقة، أو العودة للمنزل بأدوية صيدلانية حقيقية (كالفياجرا أو البروفين أو المضادات الحيوية) تم خلطها مع أعشاب وتراكيب تقليدية (كغذاء ملكة النحل وزيت الحبة السوداء ومسحوق الطحالب البحرية) بحيث تشعر بتأثير حقيقي فتعمل كبوق دعاية جديد للاكتشاف الجديد..

أنا أول من يعترف بأن الطب البديل أو الشعبي يمكن أن يحقق بعض النجاحات ولكن ذلك يحدث لظروف توافقية ونفسية مسبقة.. يحدث بفضل نسب رياضية تشبه ساعة الحائط التي (لا تعمل) ومع هذا تصيب مرتين في اليوم.. ويعتمد بنسبة كبيرة على تأثير البلاسيبو أو الوهم الحميد الذي بحسب اعتراف الأطباء وشركات الأدوية مسؤول عن 30% من حالات الشفاء المعتادة.. حسنته الوحيدة والمؤكدة تتعلق برفع الروح المعنوية للمريض (وربما خداع جهازه المناعي) ولكن دون تأثير خارجي على المرض ذاته بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: إذا دَخَلْتُمْ على المَرِيضِ فنفِّسُوا لَهُ في الأَجَلِ فإِنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ شَيْئاً وهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَه..

وبيني وبينك حتى مقولة "آخر الطب الكي" (التي شوهت نصف السعوديين) ليست حديثاً نبوياً، بل مجرد مقولة كان يروج لها أطباء العصر الجاهلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...