الأربعاء، 11 مارس 2020

هل ساهم كل هذا في تبسيط الدين أم تعقيده؟


كتبت الأسبوع الماضي مقالاً بعنوان "الحلم الذي يصعب تحقيقه" تحدثت فيه عن حتمية انقسام الأديان إلى مذاهب وفرق صغيرة... تساءلت فيه عن إمكانية عودتنا إلى عصر النبوة (حيث إسلام بلا مذاهب) والاقتصار على مصدرين للتشريع فقط هما القرآن والسنة والتفريق بين الحلال والحرام بحسب قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته...

... في مقال اليوم لن أتحدث مجدداً عن هذا الحلم، بل على العكس؛ عن ارتفاع مستوى تعقيد هذا الحلم بسبب كثرة الفتاوى والتصانيف والمؤلفات والمتون والكتب (والرسائل الأكاديمية) التي ساهمت في تفريع الدين وتعقيده بدل تسهيله للناس...

فحين ظهر الإسلام كان الجميع على مذهب واحد لا يملك غير مصدرين للتشريع هما القرآن الكريم والأحاديث المتواترة (وضع خطين تحت المتواترة).. الشرخ الكبير حدث بعد موقعتي الجمل وصفين حين انقسم المسلمون إلى فرقتين عظيمتين تحتكم إلى مفاهيم جديدة وتفاسير مختلفة.. وقرناً بعد قرن انقسمت هاتان المجموعتان بدورهما إلى عشرات المذاهب والفرق المتصادمة ووضع كل طرف أحاديث مكذوبة على لسان نبينا الكريم تأييداً لموقفه وتأكيداً على خطأ الآخر (بدليل أن الإمام البخاري كان يحفظ 600 ألف حديث موضوع وضعيف ولم يختر لصحيحه المعروف أكثر من 4 آلاف حديث فقط)..

وفي حين أنزل الله كتابه للجميع ب(لِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ليفهمه عامة الناس دون عناء، ظهرت آلاف التفاسير المختلفة والمفاهيم المتضادة بحيث لن تسلم حتى لو تبنيت أحدها، كون العشرات سيحاجونك اعتماداً على تفاسير أخرى..

والحقيقية هي أن الأمر لم يقتصر على تعدد كتب التفاسير ووضع الأحاديث المكذوبة بل رافقهما وضع آلاف الكتب والمجلدات والمصنفات والشروحات الخاصة بكل طائفة ومذهب وفرقة على حدة..

واستمرت عمليات التفرع والإضافة حتى عصرنا الحاضر وانفجرت بشكل واضح في عصر الإنترنت والقنوات الفضائية.. خذ كمثال ماحدث لدينا فيما يسمى بفترة الصحوة حيث أُلفت كتب ووضعت تصانيف ووزعت رسائل وكتبت أبحاث (بل ومنحت آلاف الدرجات العلمية والأكاديمية) في مستجدات فقهية لم يسمع بها أحد قبل اختراع صاحبها لها..

وهكذا بعد أن كانت المحرمات في القرآن الكريم معدودة على الأصابع وواضحة بالاسم (بوضوح الميتة والدم ولحم الخنزير) ابتكرت آلاف المحرمات الجديدة القائمة على الاستنباط والقياس والظن وسد الذرائع وتأثير الأعراف وطمعاً في نيل الدرجات الأكاديمية..

والمحصلة التي وصلنا إليها اليوم أننا أصبحنا نملك ركاماً هائلاً من المجلدات والمسائل والقضايا والفتاوى والتفاسير التي يعجز عن متابعتها المتخصصون.. ناهيك عن عامة الناس..

هل هذا هو ما كان سائداً في عصر النبوة؟

هل هذا ماكان يفعله أو يعتمد عليه الخلفاء الراشدون؟

هل ساهم كل هذا التوسع والتراكم في تبسيط الدين أم زيادة تعقيده؟

أليس في هذا دليل على تفرع الأديان السماوية، واستمرار الإنسان في اختراع الأديان الوضعية؟

.. مازلت أحلم بالعودة إلى المنبع الصافي، ولكن يبدو أنه سيظل حلماً أمام حتمية انقسامنا إلى73 فرقة كما جاء في الحديث الشريف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...