الأربعاء، 18 مارس 2020

هل تنجح فكرة تحسين النسل لدى البشر؟


حضارات كثيرة (بل ودول حديثة مثل سنغافورة وألمانيا النازية) حاولت تحسين نوعية الأجيال الجديدة من خلال تزويج أفضل العناصر في المجتمع.. سنت قوانين ووضعت حوافز للتوفيق بين الأكثر صحة وذكاء (من الجنسين) لإنجاب جيل سليم وذكي وأكثر تفوقاً.

غير أن معظم هذه المشروعات انتهت بالفشل لأن فكرة اصطفاء النسل في عالم البشر غير مقبولة أخلاقياً (بدليل فشل قوانين هتلر في الحفاظ على نقاء العرق الآري ومنع تزاوجه مع الأعراق الأخرى).

نعـم؛ قد تنجح الفكرة في عالم الحيوانات كوننا لا نحتاج لاستئذان الخيول والأبقار للتزاوج بين أفضل السلالات، ولكنها لا تنجح لدى البشر كون التزاوج يعتمد على المشاعر والعواطف في المقام الأول.. أضف لهذا أن الفكرة ذاتها ليست ناجحة 100 % كون العناصر الوراثية الضعيفة والمتنحية ستعود للظهور لاحقاً (وهو ما يحدث أيضاً بين أفضل سلالات الخيول والأبقار).

ولهذا السبب، حـاول العلماء دراسة هذا الموضوع لدى البشر بطريقة عكسية وأثر رجعي.. بمعنى؛ بدل اصطفاء أفضل العناصر للتزاوج - ثم دراسة النتائج - عمدوا إلى دراسة الأسر التي تزاوجت وظهرت فيها بعض الإيجابيات الوراثية (كحدة الذكاء وكمال الأجسام) أو السلبيات الوراثية (كغلبة الأمراض وضعف الجسد).

وكانت دراسات العالم الإنجليزي غالتون أول دراسة تنظم بهذا الخصوص وأظهرت ميل بعض الصفات الذهنية المتفوقة للظهور في أسر معينة.. فقد لاحظ مثلاً أن الأسر التي يظهر فيها رجل عبقري تضم في نطاقها الواسع عدداً كبيراً من العظماء لا تنسب كثرتهم (في تلك الأسر بالذات) إلى مجرد الصدفة. وفي المقابل درس دغدل واستبرك أسرة جاك السفاح (التي تميزت بكثرة المجرمين والقتلة) واكتشفا ارتفاع معدل الشذوذ الوراثي والنفسي بين أفراد تلك الأسرة!

وتعتبر دراسة العالم النمساوي (فوس) من أوثق الدراسات التي فرقت بين تأثير البيئة والوراثة على صحة الفرد ومواهبه العـقلية؛ فقد عمد إلى دراسة أسرة رجل موسيقي كانت زوجته الأولى موسيقية مثله، في حين كانت زوجته الثانية لا تفقه شيئاً في هذا المجال. وبمتابعة نسل هذه الأسرة اتضح أن أبناء الزوجة الأولى يملكون موهبة موسيقية ممتازة بعكس أبناء الزوجة الثانية مما يبرز الدور الوراثي للزوجتين (رغم أن جميع الأبناء نشؤوا في ظروف بيئة وتعليمية متشابهة).

وفي الحقيقة إن مراقبة أسـر كهذه تتيح حتى للقارئ العادي تكوين رأيه الخاص حول هذا الموضوع.. فمعظمنا يعرف بيوتاً يعيش فيها أطفال ينتسبون لرجل واحد وأكثر من زوجة.. وتركيبة كهذه تعزل الدور الوراثي لـلأب (كونه مشتركاً بين جميع الأطفال) كما تعزل ظروف النشأة (كون جميع الأطفال يشتركون فيها) فـلا يبقى غير التأثير الوراثي للأمهات ودوره في تشكيل مواهب الأطفال وشخصياتهم!

.. بكلام أكثر بساطة؛ حين تقابل رجلاً متزوجاً بامرأتين أو ثلاث ستلاحظ حتماً فـرقاً واضحاً بين أطفال كل أم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...