الأربعاء، 18 مارس 2020

هل تتراجع الخرافات مستقبلاً؟


الخرافات، والإيمان بالخوارق، ظاهرة موجودة في جميع الأمم.. لا يوجد شعب لا يملك خرافاته الخاصة، ولا يوجد مجتمع يخلو من المغيبات والأساطير.. وجودها ضروري لتفسير ما عجز العلم عن تفسيره، واختراعها يقدم إجابة مرضية لما يعجز عقلنا عن استيعابه أو فهم طريقة عمله.

اليوم؛ حين تحمل هاتف آيفون تـشيد بتقنية شركة آبل وتمتدح عبقرية ستيف جوبز.. حين ترى سيارة تسير بسرعة خارقة تشيد بتقنية مرسيدس أو براعة فيراري.. ولكن لو أن رجلاً بدائياً (عاش في العصر الحجري) أمسك بيديه الآيفون أو شاهد الفيراري تمر كالبرق لاعتقد أنهما سحر من عمل الشيطان أو قوة خارقة من عمل الآلهة.. لهذا السبب اخترع الإنسان القديم آلهة الرعد والرياح والبراكين والزلازل و و و... في محاولة لتفسير ما يحدث وإرضاء لمن يتولى الحدث..

وهكذا هي حالنا اليوم مع خوارق ومغيبات ما زلنا نجهل سببها فنفسرها كسحر أو عمل شيطاني أو قـوة إلهية وحكمة غيبية (وابحث في الإنترنت عن: آلهة الفراغات).. وموقف كهذا يثبت أن التصديق بالخرافات (حاجة ذهنية) تتراجع وتنحسر حين تزدهر العلوم والتقنيات والمنهج التجريبي، وتتضخم وتترسخ حيث يسود الجهل والتخلف وأعمال السحر والشعوذة والمنهج التنظيري..

ورغم أن انتشار التعليم حـد كثيراً من انتشار الخرافات، لا يمكننا الادعاء أنها ستختفي من حياة البشر.. صحيح أن نسبتها قلت كثيراً في المجتمعات المتقدمة (كالسويد والنرويج واليابان وألمانيا ونيوزلندا) ولكنها ما زالت موجودة كإرث فلكلوري يدرك الجميع أنه يخالف الفكر المنطقي والتقييم العقلاني - ولا يصمد أمام مناهج البحث والتجريب الرصينة!!

العجيب أن من يتربى داخل الخرافة، أو ينشأ داخل الأسطورة؛ لا يرى فيها عـيباً أو تعارضاً مع العقل والمنطق (في حين يرى ذلك بسهولة من نشأ خارج الأسطورة).. لمست ذلك في نفسي حين كنت أدخل معابد الديانات الأخرى - في شرق آسيا تحديداً - وأرى بكل سهولة ووضوح سذاجة الطقوس التي تمجد الأبقار أو القرود أو الأفاعي أو الفئران (كما في معبد كارني ماتا في الهند).. حتى المواطن المتعلم في الدول المتقدمة قـد يتبنى طقوساً وخرافات يستغرب منها مواطنو الدول المتخلفة (رغم امتلاكهم خرافات أكثر عدداً وأوسع انتشاراً)!!

.. باختصار أيها السادة؛


الخرافات لم تختفِ في المجتمعات المتقدمة ولكنها تراجعت كثيراً بفضل عراقة التعليم وسيادة المنطق وانتشار مبدأ السببية المادية..


تتراجع في عصرنا الحديث ولكنها تظل مشاهدة لدى بعض الأفراد إما بسبب النشأة ومسايرة المجتمع، أو الهرب من الحيرة وعدم توفر الجواب..


يصعب اختفاؤها نهائياً لأنها «حاجة ذهنية» تملأ الفراغات المعرفية وتتم وراثتها في سن الطفولة وتبنيها قـبل سن التمييز..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...