الخميس، 12 مارس 2020

وماذا عن أرقامنا نحن؟!


من مفارقات هذا الزمن تقاضي رؤساء الدول المتقدمة رواتب تافهة مقابل استيلاء زعماء الدول الفقيرة على مفاتيح تنوء بحملها قائمتا فوربس وفورتشن لأغنى أغنياء العالم.

سبق وكتبت مقالا أشرت فيه إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كـسـب (بعرق جبينه) 1,7 مليون دولار في نهاية عام 2012 ولكنه دفـع في المقابل 436 ألف دولار كضرائب فيدرالية و51 ألف دولار كضرائب محلية لولاية شيكاغو وتبرع طواعية لــ36 جمعية خيرية بـمبلغ 245 ألف دولار.. وبحسبة بسيطة نكتشف أن "المسكين" دفع للدولة والمجتمع (وليس العكس) أكثر من 732 ألف دولار أو مايقارب 42% من دخله السنوي.. هذه الحالة (التي لم نرها في مجتمعاتنا العربية منذ تولى عمر بن عبدالعزيز أمر الخلافة) تدعونا تلقائياً للمقارنة بين مفارقتين عجيبتين:

بين دول ديموقراطية تقل فيها رواتب الرؤساء والوزراء عن مديري البنوك لدينا (ورغم هذا يدفعون ضرائب وتبرعات)؛ وبين دول فقيرة ومعدمة استحوذت فيها الـقـلة المتسلطة على أموال الناس ومقدراتهم..


فـفي حين دفع أوباما للمجتمع قرابة نصف دخله (الذي حققه من تأليف الكتب) كان زين العابدين يحتفظ بثروة الشعب خلف ظهره (واشتغل بتأليف خطب ركيكة تؤكد تفهمه لمطالب الناس)..


وفي حين لا يعرف أحد مقدار الراتب الذي كان يستلمه صدام ومبارك والقذافي وبقية الزملاء (هذا إن كان لهم رواتب أصلا؟) تنازل رئيس الوزراء البريطاني السابق عن علاوته السنوية تضامنا مع الشعب الذي يعاني من التضخم (علما أن راتبه لا يتجاوز أصلا 371 ألف دولار في العام)!!


وفي حين لا يمكن لرؤساء الدول المتقدمة -وأفراد عائلاتهم- استغلال مناصبهم أو الاحتفاظ بأي هدايا تقدم إليهم، يصبح الوطن حـقاً مستباحاً لعائلات الزعماء في الدول المتخلفة (لدرجة سرق عُـدي بن صدام حسين كامل البنك المركزي العراقي قبل وصول الأمريكان بيومين، في حين دفع ابن القذافي سيف الإسلام أربعة ملايين ريال للمغنية ماريا كاري مقابل أربع أغنيات فقط)!

.. أما في مجتمعنا المحلي فبالإضافة لمظاهر الفساد (الذي تعترف به الدولة وأنشأت هيئة لمكافحته) يحق لنا التساؤل عن جانب آخر يتعلق بثروات الوطن.. التساؤل عن جانب الزكاة؟.. ومقدارها؟.. وأين تذهب؟.. وكم تبلغ سنوياً؟.. ولماذا لا تصدر عنها أي تفاصيل؟

أنا شخصياً يصعـب علي حساب نسبة الزكاة بسبب كثرة وتداخل الأرقام الفلكية التي أسمعها بين الحين والآخر (لدرجة بدأت أنسى الرياضيات وأتساءل كم مليوناً يوجد في المليار!؟).. المؤكد أن هناك تريليونات الدولارات في حال تعلق الأمر مثلاً بمجموع أموال أكبر خمسين ثرياً في المملكة، أو موجودات البنوك السعودية، أو إجمالي أرباح الشركات المدرجة بسوق الأسهم، أو إجمالي الاستثمارات الأجنبية في السعودية، أو حتى مجمل أموالنا المهاجرة.. أي رقم ستختاره (وستجده حتماً في جوجل) يمكنه تـقـديـم "زكـاة" تقضي على الفقر والبطالة واتساع الفجوة بين الفقراء والأثرياء..

زكاة يمكن (حتى لمن نسي الرياضيات مثلي) التخمين تلقائياً بأنها تساوي 2,5% من مجمل ناتجنا القومي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...