الأربعاء، 18 مارس 2020

اطلب منه التفكير أولاً


حين يسألك طفلك عن شيء لا أنصحك بالرد فوراً بل أطلب منه (أولاً) التفكير، والبحث، ومحاولة العثور على الجواب بنفسه.. بهذه الطريقة تعلمه أربعة عناصر أساسية في عملية الإبداع هـي:

الثقة في النفس، والجراءة في الطرح، وتعلم طرق البحث، والتفكير باستقلالية - بدل تأجير العقل أو استجداء الحـل..

حين كان ابني ياسر في سن التاسعة طرح علي سؤالاً حيرني بالفعـل.. سألني: «أيـش يصير لو أصبح كل البشر أغـنياء؟».. سكت للحظات ثم قلت: فكر بنفسك، وغـداً أخبرك..

لم يعلم أنني أنا من أراد لنفسه فرصة للتفكير في الموضوع حتى يوم الغـد.. وفي اليوم التالي أتاني بنفسه وأخبرني جواباً لا يبتعد كثيراً عما فكرت فيه (لدرجة تمنيت لو اقتسمنا معاً جائزة نوبل في الاقتصاد).. فـلو أصبح جميع الناس أغنياء، سيصبحون تلقائياً فقراء..

فجميع السلع والخدمات سيرتفع ثمنها بسبب قدرة «الجميع» على شرائها بسعر مرتفع.. وحين ترتفع الأسعار يصل «التضخم» إلى مستوى يعجز فيه معظم الناس عن الشراء (وهذه من أهم مصائب الفقر).. نبهني هذا السؤال -غير البريء- إلى أن الأغنياء ليسوا أغنياء فقط بسبب امتلاكهم للـمال، بل بفضل تمتعهم بميزة شراء خدمات وسلع (رخيصة) وضعت أصلاً لمتوسطي الدخل..

لـو أنني قدمت إجابة متسرعة لعطلت ذهنه عن التفكير ومنحته منذ البداية إجابة خاطئة (فنحن لا نعترف غالباً بجهلنا أمام أطفالنا).. لا نعلم أننا بهذه الطريقة نضرهم ونعطل قدرتهم على التفكير والإبداع وصياغة الحلول.. فنحن إما نأمر أطفالنا بالكف عن طرح المزيد من الأسئلة، أو نفكر بالنيابة عنهم حين نسمح لهم بطرح المزيد من الأسئلة.. وكلا الفعلين يطمسان قدرتهم على التفكير والبحث والاستنباط والتحليل (وكافة الملكات الذهنية المشكلة للعبقرية).. حين تمنح طفلك إجابة فورية (قبل دعوته للتفكير والمحاولة) تكون كمن يحـل واجباته المدرسية نيابة عنه قبل أن يفتح كراسته أصلاً.. لا يجب أن تتدخل حتى يصل لطريق مسدود ولا يتبقى غير جزء يسير - وحتى في هذه الحال لا تقدم له حلولاً جاهزة بــل فكر معه في تشكيل حلوله الخاصة..

(لا تفهموني غلط) فـالسؤال ذاته ليس عيباً، ولكن لا يجب أن نتسرع في تقديم الإجابة كما يشير عنوان المقال.. فـالأطفال بطبيعتهم عباقرة ومستكشفون يطرحون أسئلة استثنائية جريئة كمحاولة للفهم والاستكشاف.. نحن من نكبت فيهم هذه الموهبة إما من خلال تقديم إجابة مجانية باردة (تطفئ شرارة العقل) أو منعهم من طرح أسئلة محرجة لا تتسق مع الثقافة والمنهج السليم - ناهيك عن مناهج وزارة التعليم المسؤولة عن تفريخ آلاف النسخ المتشابهة!

أتعرفون ما يقلقني أكثر من دور الوالدين -ومناهج التعـليم- في كـبح موهبة التفكير لدى الصغـار؟

نشأتهم في ظل ثـقافة مقيدة للعقـل، ومشجعة على الاتباع، ومحذرة من فعـل شيء دون نصيحة أو فتوى أو استشارة.. أو حتى قـرار إداري يُـشعرنا براحة الممنوعين من فعل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...