من التساؤلات العظيمة التي تدور في عقول البشر وتجدها في كل بلد وثقافة ودين هي أين يذهب أحباؤنا بعد وفاتهم؟ وهل يمكننا التواصل معهم أو التمكن من فعل ذلك يوماً؟
من المشاهد التي لا أنساها من رحلاتي شيخ كبير وضع رأسه فوق قبر رخامي وهو يبكي بحرقة (في المقبرة الرئيسية في بوينس آيرس).. لم يحيرني بكاؤه بل في أنه كان يضع على أذنه جهاز تسجيل يسمع من خلاله صوت زوجته، أو المرأة المتوفاة داخل القبر.. للوهلة الأولى ظننته هاتفاً جوالاً فتملكني العجب وتساءلت إن كانوا في الأرجنتين قد حققوا حلم أديسون واخترعوا هاتفاً للتواصل مع الأموات!!
... لم أعد أستبعد أي ادعاء كون معظم البشر يؤمنون بإمكانية التواصل بين أرواح الأموات والأحياء بدليل الانتشار العالمي لجلسات تحضير الأرواح.. وإن كنا نحن نعتقد بإمكانية التقاء الأموات مع الأحياء أثناء النوم -راجع أقوال المفسرين في قوله تعالى «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى»- يعتقد الناس في الغرب بإمكانية فعل ذلك من خلال الوسطاء الروحانيين أو جهاز لاسلكي حديث لم يتم اختراعه حتى الآن..
.. وكنت قد سمعت قبل سنوات بعيدة قصة عجيبة في برنامج لاري كنغ على محطة الCNN.. فقد كان يجري لقاء مع منتجة سينمائية أدعت أنها تلقت اتصالاً هاتفياً من والدها المتوفى وأنها حين تأكدت من صوته رمت السماعة وهربت من الرعب. وبعدها بستة أشهر اتصل مجدداً وقال جملة واحدة فقط «المستندات في صندوق الأمانات لدى بنك ويست كوست» وحسب قولها كانت في تلك الفترة تبحث عن سندات ملكية عقارية في سانتا باربرا ولم تجدها حتى أتاها ذلك الاتصال!!
.. الغريب أن مثل هذه الادعاءات تراكمت منذ اختراع الهاتف والراديو ولم تعد تثير استغراب أحد في الغرب. فقد ترافق انتشار الهاتف مع توالي الشهادات عن تلقي اتصالات من أقرباء متوفين أو دخلوا على الخط أثناء الحديث مع شخص آخر.
وكان المخترع الأمريكي المعروف توماس أديسون قد حاول اختراع هاتف مخصص لهذا الغرض ومات قبل إكماله. فقد كان متعلقاً بجلسات تحضير الأرواح وكان ينظر للهاتف الراديوي كوسيط عصري للاتصال بالأموات. وبعد وفاته تبنى هذه الفكرة مخترعون عديدون (في أمريكا وإنجلترا على وجه الخصوص) لم ينجح منهم أحد، وإن كان أحد الرقاة لدينا ادعى نجاحه في التواصل مع الجن عبر الواتساب!!
أما في وقتنا الحالي فقد تحدثت صحيفة الناشيونال بوست عما دعته «استعانة الأموات بالأجهزة الحديثة للاتصال بالأحياء». وقالت إن سماع أصوات المتوفين من خلال أجهزة الهاتف والراديو والتسجيل ظاهرة رصدت منذ مئة عام، ولكنها اليوم أصبحت تستقبل من خلال الإنترنت والجوال والوسائط المتعددة، في حين نجحت شركة اتصالات يابانية في تقديم خدمة التواصل مع الأموات من خلال جهاز رد مركزي يتيح لقريب الميت التحدث معه في أي وقت..
... والآن أيها السادة؛ أين تكمن الحقيقة والدجل في كل هذا؟
الحقيقة هي أن تعلقنا بأحبابنا المتوفين يجعل بعضنا مهيئاً لتصديق أي شيء..
الحقيقية هي أن رؤية طيف الميت يكثر (من الزوجات والأمهات على وجه الخصوص) في الأيام الأولى التي تعقب وفاة الزوج أو الابن؟
الحقيقة هي أن ما تفعله الشركة اليابانية مجرد خدمة خيرية (موجهة للأطفال) تتضمن الحديث مع طبيب نفسي يتم تغيير صوته ليتطابق مع نغمة الأم أو الأب المتوفى..
الحقيقة هي أن الآية السابقة لا تتضمن دليلاً على تواصلنا مع أحبائنا المتوفين؛ بل تخبرنا فقط أن "الموت" حالة مؤقتة تحدث أثناء النوم والإغفاء، في حين أن "الوفاة" حالة انتقال دائمة ونهائية لعالم البرزخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق