الخميس، 12 مارس 2020

الإعلام الخفي


في عالم المال والأعمال يوجد مايسمى بــ"الاقتصاد الخفي".. وهو اقتصاد غير رسمي أو مسجل أو يمكن معرفة حجم تداوله.. فالتحايل، والرشوة، وغسيل الأموال، والسوق السوداء، والتحويلات غير المشروعة، والمشاريع الخدمية غير المصرحة نماذج لاقتصاد خفي (يدعى أحياناً الاقتصاد الأسود) لا يسلم منه أي بلد حول العالم..

ومن وجهة نظري الخاصة ليس جميعه أسودَ (أو غير مشروع) كون جزء منه يتم كتعاملات حسنة بين الناس كـالصدقة والبخشيش والزكاة والإهداء والتحويل اليدوي ــ ولكنها في النهاية تدخل تحت مصطلح "الاقتصاد الخفي" الذي يصعب رصده أو تقديره أو إخضاعه للأنظمة المالية والضريبية..

وعلى نفس السياق أعتقد أن الإنترنت خلقت لنا هذه الأيام ما يمكننا تسميته (بالإعلام الخفي)..

فنحن نعرف أن هناك إعلاماً رسمياً عماده الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء الرسمية. ولكن (وسائل التواصل الاجتماعي) خلقت إعلاما رديفاً يتكون من ملايين المجهولين الذين يبتكرون وينشرون أخبارهم الخاصة.. ولأن المصدر هنا غير معروف أو موثـق، يمكن وصفه بلا تردد بأنه إعلام خفي أو أسود!!

وكما هو الحال مع "الاقتصاد الخفي" يبدو "الإعلام الخفي" أكثر حيوية وجراءة وخرقاً للقواعد والأعراف المتداولة في الإعلام الرسمي.. يتم خلاله نقل الأخبار والأفكار بلا ضوابط أو رقابة أو توثيق للمصدر.. يصعب مراقبته أو مكافحته كون آلاف الأفراد (المجهولين) يشاركون في صنعه ونشره وإعادة صياغته.. وبثه من جديد..

... ولا أخفي عليكم؛ خطرت ببالي فكرة هذا المقال بعد استلامي مقاطع يوتيوب لأحد المشايخ مليئة بفتاوى التكفير وإلغاء الآخر (فتساءلت حينها عن وجه المقارنة بين الاقتصاد الخفي والإعلام الخفي).. ورغم عدم معرفتي بمن ركب هذه المقاطع (مثل آلاف المستلمين غيري) كانت المادة نفسها حقيقية ومثبتة بالصوت والصورة.. وهذا النموذج يؤكد أن الإعلام الخفي (بعكس الإعلام الرسمي) يمكنه إخفاء المسؤول دون أن يخل بمصداقية المادة ذاتها.. كما يتيح للمواقف الفردية و(الأمزجة الشخصية) الانتشار بسهولة كبيرة حتى تتحول لرأي عام يتبناه آلاف الناس ـ الذين لم يعد يهمهم مصدر المادة بقدر مصداقيتها وإثبات نفسها بنفسها.

وهذه بلا شك قفزة كبيرة وقلب لكافة الموازين التقليدية في الإعلام ـ التي ماتزال تدرس في كليات الإعلام.. فحتى وقت قريب كان الإعلام الرسمي هو "حارس البوابة" الذي يحدد نوعية الأخبار التي يجب على الناس (أو لا يجب عليهم) معرفتها.. غير أن وسائل التواصل الاجتماعي قلبت الموازين وحولت جميع الناس إلى صحفيين ومحررين وإعلاميين تجاوزوا في جراءتهم وحيويتهم الإعلام الرسمي.. مكنت كل فرد من صياغة القضايا التي تهمه ونشرها دون رقابة أو استئذان.. وبمجرد أن يبثها عبر الإنترنت تخرج عن سيطرته وتنتشر بقوة دفعها الذاتـية (لدرجة تعود إليك بنسخ مختلفة عبر الواتسآب أو تويتر)..

وما يهمني اليوم هـو تأصيل مصطلح "الإعلام الخفي" ولفت الأنظار لقـوة تأثيره على الرأي العام ــ مقابل انحسار الإعلام الرسمي وفقد مصداقيته بين الناس..

أما كيف تتعامل على المستوى الفردي مع منتجات الإعلام الخفي فسأضطر (لضيق المساحة) لإحالتك لمقال سابق بعنوان "ثـقافة الواتسآب"..

أرجو أن تبحث عنه الآن في جوجل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...