الأربعاء، 18 مارس 2020

أمراض الأمة


تعاني أمتنا العربية جملة أمراض ليست موجودة (أو لم تعد موجودة) لدى معظم الأمم.. الغرور والمكابرة والاحتكام للتراث أكبر هذه الأمراض.. أمراض عربية وإسلامية تحولت إلى داء مزمن لم يتغـير رغم كل الهزائم والانتكاسات.. تشترك معنا دول كثيرة في عوامل الضعف والتخلف، ولكنها بعكسنا، تدرك مواطن ضعفها ولا تعتقد أنها خير أمة أخرجت للناس.. صحيح أن الله تعالى وصفنا بهذه الخيرية «كـنتم خير أمة أخرجت للناس» ولكن كان هذا حين كنا نمسك بزمام التفوق والمبادرة - بدليل صيغة الفعل الماضية «كنتم»..

وبالإضافة للغرور والمكابرة - والتباكي على أطلال الماضي - تعاني الأمة العربية أيضاً من الأمراض التالية:

عـدم التسامح والقدرة على التعايش مع من يختلف معـها.. بما في ذلك الطوائف التي تشترك في أركان الإسلام الخمسة..

محاولة بناء حياتها الحديثة على أسس قديمة (عمادها التراث ومرويات التاريخ) الأمر الذي يفسر فشلها في الانتقال للمستقبل، ومنافسة الأمم في أسلحة الحاضر..

اختلال مفهوم الفساد لديها وحصره في الجوانب الشخصية (كاختلاء شاب بفتاة) مقابل السكوت عـن مظاهر فساد مالي وسياسي أعظم أثراً وأكثر تعميماً (وهو المعـني غالباً في المجتمعات الغربية)..

استمرارية الاعتقاد أن الانتصارات العسكرية (والفتوحات الجغرافية) هي دليل قوة أو تفوق، في حين أن معايير التفوق المعاصرة تحولت إلى الابتكار والتصنيع واحتلال بيوت العالم بالمنتجات المصدرة..

الميل للتضييق والتحريم وإضفاء صبغة دينية على مظاهر اجتماعية وعرفية محلية (حتى أصبحنا أمة مكبلة بآلاف المحرمات المستحدثة رغم أنها لا تتجاوز في القرآن الكريم 14 محرماً فقط)..

تربية أبنائها على الاستهانة بحياة الإنسان مقابل الاهتمام بهوية الجلاد.. والنتيجة؛ لم نعد نكترث لاقتتال العرب فيما بينهم (وموت آلاف بسبب ذلك) وغضبنا حين يسقط رجل واحد بسبب إسرائيل أو أميركا أو طائفة تختلف عن طائفتنا..

إصابتها بالبارانويا وجنون الارتياب.. فنحن أكثر أمة تعتقد أن (الآخرين) يكيدون لها ويتآمرون عليها.. اتهمنا حتى شركة بيبسي وفورد وكنتاكي وميكروسوفت بإهانتنا بشعارات خفية (رغم أن مصالحها المادية تجبرها على فعل العكس)..

غياب ثقافة المؤسسات وتسليم كافة الخيط لفرد واحد.. فمجتمعاتنا تعاني من غياب الجمعيات المدنية، وشعوبنا تعيش حالة انتظار دائم للحاكم العادل.. حتى نجاحات الأفراد تلغى لاحقًا من فرد جديد يتحمل المسؤولية..

ورغم أننا نتحدث كثيراً عن خصوصية الأمة (وخصوصية مجتمعنا بالذات) نحن أكثر المجتمعات تدخلاً في خصوصيات الآخرين.. لا نرتاح قبل الحكم - ليس فقط على أفعال وتصرفات الآخرين - بـل وعلى نواياهم وما تخفيه صدورهم..

.. وهذه أيها السادة مجرد نماذج لأمراض أخرى كثيرة لم أتحدث عنها كـالنرجسية، والعنصرية، وإنكار المسؤولية، والمحاباة الاجتماعية، والتفكير الأحادي، واللجوء للعنف.. أترك لكم مهمة إكمال القائمة لأن الهدف ليس التشمت أو جلد الذات، بــل المشاركة والتنبيه والاعتراف بأسباب تخلفنا.. فـأول خطوة في العلاج (ليست البحث عن الدواء) بـل اعترافنا بالمرض واستعدادنا الذهني لمرحلة العلاج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...