في نهاية كل عام يعلن قاموس أكسفورد (المحترم جداً في اللغة الإنجليزية) عن الكلمات الجديدة التي تم ضمها للغة الإنجليزية.. ومن بين الكلمات الجديدة يختار كلمة واحدة يعتبرها (كلمة العام) بسبب قوة تأثيرها وكثرة استعمالها بين الناس..
وقبل أيام فاجأ الجميع باختيار الوجة الضاحك (الذي يأتي ضمن رموز كثيرة في رسائل الجوال) باعتباره كلمة العام.. كانت مفاجأة لأساتذة اللغة أكثر من عامة الناس.. فحراس اللغة ينتظرون دائماً كلمات جديدة تتكون من حروف أبجدية عريقة، في حين اختار أكسفورد رسماً كرتونياً (ايموجي) لا يمكن وصفه بالكلمة (ناهيك عن أصله الياباني)..
فمن بين آلاف الوجوه والرسوم (التي ننهي بها رسائلنا النصية) وقع اختيار لجنة أكسفورد على الوجه الذي يضحك بشدة (لدرجة خروج الدموع من عينيه).. وعللت اللجنة قرارها بأنه "قد لا يكون كلمة ولكنه يعبر عن مزاج الكاتب والغرض من الجملة وشكل لوحدة 17% من اختيارات الناس في رسائلهم النصية"..
ورغم أن الأشكال الكرتونية (في الأجهزة الإلكترونية) ظهرت قبل عشرين عاماً، إلا أنها أصبحت أكثر شيوعاً واستعمالها هذه الأيام لدرجة لم تعد رسائلنا تخلو منها..
واختيار قاموس أكسفورد للوجه الضاحك يسعدني شخصياً كوني على قناعة بأن تواصلنا مع الآخرين لا يتم فقط من خلال الكلمات المسموعة، بل ومن خلال ملامح الوجة وحركات الجسد وطبيعة الموقف ذاته.. خذ كمثال كلمة (طيب) التي نستعملها كثيراً في لهجتنا السعودية.. فقد تقول (طيب) بمعنى موافق أو (طيييييب) بغرض التهديد أو (طيب؟) بمعنى التساؤل أو (طيب) بمعنى خلاص انتهينا.. كما قد تعبر عن مللك بالقول (طيب وبعدين) أو الاستغراب (طيّب وإيش صار) أو عدم الاستعجال (طيب يا أخي طيب) أو للرد على من يناديك (طيب جاي)....الخ
وفي الأحول العادية سيفهم الطرف الآخر قصدك من كلمة (طيب) اعتماداً على ملامح وجهك أو طبيعة صوتك أو حركة جسدك أو ما يفرضه عليكما الموقف.. غير أن هذا يصبح صعباً حين تحدثه من وراء حجاب أو تراسله نصياً بواسطة الجوال أو الواتساب (كونه لا يرى وجهك ولا حركات جسدك) وبالتالي يصعب عليه تمييز موقفك أو فهم قصدك، وهذا بالمناسبة سر الفظاظة وسوء الفهم التي نلاحظها كثيراً في المراسلات النصية كون المتلقي يعجز عن تخمين دوافع المرسل..
في هذه الحالة يمكن للأشكال الرسومية حل المشكلة بحيث تبعث في نهاية الجملة وجهاً ضاحكاً أو عابساً أو غاضباً أو محتاراً أو غامزاً بعينيه؛ بحيث يفهم المتلقي المغزى من كلامك والقصد من رسالتك..
وبسبب دورها في تسريب المعنى ونقل المغزى اختار قاموس أكسفورد أحد رموز الإيموجي ككلمة جديدة تناسب روح العصر.. فرغم وجود كلمات ومصطلحات نافست الوجة الضاحك على الصدارة (مثل الاقتصاد المشترك sharing economy والانترنت المظلمة Dark Web) إلا أن أكسفورد كسر الأعراف اللغوية المتوقعة منه هذا العام.. أعلن بطريقة ضمنية أن اللغة لم تعد فقط كلمات وحروفاً وطريقة نطق (خصوصاً في عصر الإنترنت والتواصل الاجتماعي) بل ووسيلة تعبير تتضمن أيضاً الصور والرسومات، وربما الصوت والموسيقى مستقبلاً..
... وفي الحقيقة لا يكتمل المغزى من هذا المقال سوى بوجه كرتوني تختاره بنفسك (...)!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق