بعض الأساطير خالدة وتأبى الوفـاة.. خصوصا حين تولد في عصر الصحافة والإعلام الحديث.
ومؤخرا ظهرت دراسة جديدة تؤكد أن ما يعرف بـلعنة الفراعنة مجرد خيال وهوس خلقته الصحافة البريطانية قبل مئة عام تقريبا. وقالت نتائج الدراسة ان معظم من حضر افتتاح مقبرة توت عنغ آمون (وعددهم 25) عاشوا لأعمار طويلة بعكس ما روجت له الصحف وسطرته كتب الخوارق.
ويقول المشرف على الدراسة ان المكتشف نفسه هوارد كارتر عاش حتى الستين من عمره ومات بطريقة طبيعية جـدا، وثلاثة من مساعديه عاشوا بعده بكامل صحتهم..
وكانت هيئة الاثار المصرية قد أكدت في مناسبات كثيرة أن لعنة الفراعنة مجرد أسطورة حديثة غذتها بعض النصوص القديمة المكتوبة في المقبرة. فقبل فتحها عام 1923 وجد كارتر على بابها نصا باللغة الهيروغليفية يقول : من يدنس مقبرتي ستطارده لعنتي حتى الموت.. وبسبب هذا النص ــ وبسبب الحوادث المفجعة التي حصلت لاحقا لبعض مساعديه ــ انطلقت واحدة من اشهر خزعبلات العصر الحديث!
وكنت شخصيا واحدا ممن كتبوا عن هذا الموضوع ــ قبل فترة طويلة ــ بدون أن افرض رأيا معينا على القارئ. أما اليوم فلا أتردد بالقول إنني لا أعتقد بصحتها رغم الحوادث الغريبة التي حدثت للمسؤولين عنها؛ فمن المعروف انه بعد اكتشاف مقبرة غنغ آمون توفي اللورد كانفن الممون الرئيسي لحملة الاستكشاف. كما توفي بعض العمال المصريين بأمراض صدرية بعد فترة بسيطة.. هذه المصادفات العجيبة ــ يضاف لها النص السابق ــ شكلت أرضية مناسبة لخبطة صحفية فبركها المراسل البريطاني كونن دول؛ فقد ادعى انه في لحظة فتح المقبرة اطفئت أنوار القاهرة لعدة دقائق. وعلى بعد آلاف الأميال ماتت شقيقة اللورد كانفن كما ابتلع ثعبان كوبرا طائر الكناري الخاص والذي يخص هوارد كارتر قائد البعثة. وخلال اقل من عام مات معظم العمال المشاركين في فتح المقبرة بداء غريب!
ولكن من جهة أخرى لا ننسى ان كونان نفسه كان ضمن من حضروا افتتاح المقبرة ولم يحصل له شيء.. ويتضح دافعه بشكل افضل إذا علمنا انه كان مغرما بالقصص البوليسية الغامضة وانه مخترع الشخصية البوليسية الشهيرة شارلوك هولمز!
على أي حال بسبب التقارير المشوقة لهذا الصحفي، والأحداث المفبركة التي نسجها عن المقبرة انطلقت من لندن ــ وليس القاهرة ــ أسطورة لعنة الفراعنة التي تصيب كل من يدنس مقابرهم.. ما زالت المطابع تلفظ عشرات الكتب حول هذا الموضوع!
غـير أن انكارنا للأسطورة لا يعني عدم توقفنا للتساؤل عن سبب الأمراض التي أصابت العمال لاحقا؟
فاليوم لم يعد سرا أن الفراعنة استعانوا بالمواد المشعة لأغراض الحفظ والتطهير. وهناك من يرى أن الفراعنة وضعوا عمدا تلك المواد كي تصيب بالمرض و"اللعنة" كل من يفتح مقابرهم.. ولكن الراجح أكثر ان عدم تجدد الهواء في المقابر الفرعونية ــ منذ ثلاثة آلاف عام أو تزيد ــ يفاقم نسبة الجراثيم فيها ويصيب أول الداخلين اليها بأمراض رئوية خطيرة؛ فبعد اكتشاف مقبرة عنغ آمون لوحظ على العمال أعراض مشابهة لأمراض صدرية معروفة يمكن اليوم علاجها. ومن النصائح التي يتقيد بها حاليا علماء الآثار: عدم الاستعجال في دخول المقابر المغلقة ــ وترك الهواء فيها يتجدد ــ وعدم حلق لحاهم قبلها بثلاثة أيام كي لاتدخل الجراثيم عبر مسام الشعر المنزوع!!
.. وسيكون من المدهش فعلا لو أن الفراعنة فكروا بكل هذه الاحتمالات المميتة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق