الأربعاء، 11 مارس 2020

منطق الشكاكين


ما لم تكن قد تجاوزت الثلاثين، فلن تتذكر في الغالب الشخصية الكرتونية الشهيرة "البوكيمون" ولكنك ستتذكر على أي حال تلك السنوات التي انتشر فيها هاجس رؤية اسم الجلالة على كل شيء.. في تلك الايام أخبرني جارنا رئيس مركز الدعوة والإرشاد أنهم أصبحوا يتلقون من خمسة إلى عشرة بلاغات في اليوم تتعلق بكتابات وهمية على الأحذية والبسط وكفرات السيارات، بل ان أحدهم احضر ذات يوم مغسلة مطبخ مشبوهة! وأذكر أن شابا يقف خارج المسجد أعطاني ورقة فيها تحذير من البوكيمون.. والبوكيمون شخصية إلكترونية كانت رائجة في عقد التسعينيات. وقد تضمنت الورقة عمودين؛ الأول يتضمن اسم البوكيمون والثاني معناه باللغة العربية.. ويضم الجدول 45 اسما كان أولها بيكاتشو اللاعب الرئيسي في المسلسل الذي اتضح ان معناه (لا إله في الكون)، ثم جيدوت ويعني (لا إسلام في الحياة)، وسلوتو (اعبدوا الشياطين والأرواح)، أما بولبكس فاتضح ان معناها (اسمعوا الأغاني ودعوا نصائح المسلمين).. يا سلام!

.. كانت الحملة ضد البوكيمون في أوجها تلك الأيام لدرجة أعطاني أحد المعلمين منشورا جاء فيه: احذروا من البوكيمون لأنه يهودي ويجب ان نقاطعه وإلا سيبقى اليهود في فلسطين ويقتلون إخواننا الفلسطينيين (ولم يعرف المسكين أن الأسماء يابانية الأصل وأن المسلسل لا يمت بصلة لأصحاب الكتاب)! كما نشرت إحدى الصحف في "الصفحة الإسلامية" صورة معكوسة لكلمة كوكاكولا (Coca Cola) وادعت انها تقرأ من اليمن للشمال (لا محمد لا كعبة).. والعجيب أن كوكاكولا نشرت لاحقا اعتذارها حيال هذا التشابه مجاملة لعقولنا الصغيرة كون الاسم ذاته سجل كماركة تجارية قبل 114 عاما من هذا الاكتشاف الرائع!

بقي ان أوضح لماذا أقف شخصيا ضد ادعاءات كهذه:

أولا: لأنها تتضمن أكاذيب ومغالطات مقصودة بحجة التدين..

ثانيا: لأنها تدل على عدم ثقتنا بأنفسنا والاعتقاد أننا ضحية مؤامرة تحيكها بقية الشعوب ضدنا.

ثالثا: لأنها تتضمن ادعاءات غير منطقية تدل على الجهل والغباء وقلة الحيلة.. فكيف تقنع أحدا أن مشاهدة مسلسل كرتوني يساهم في قتل الفلسطينيين!؟

رابعا: لأن كثيرا منها يتسرب من مصادر وشركات ووكلاء يهمهم الإضرار بالمنتج المنافس.

أما خامسا فلأننا ببساطة أصبحنا أضحوكة العالم.. تخيل أنت كم سيضحك العالم على بريطانيا لو أصدرت قرارا بتحريم حرف ال(C) لأنه يشبه الهلال أو حجبت أميركا اسم "محمد" من محرك غوغل وياهوو.. أما حين تعتذر غوغل وكوكاكولا وتويوتا فإنها تفعل ذلك ولسان حالها يقول: "وماذا نفعل؟ فهم شعب من الشكاكين؟ لنمنحهم اعتذارا يضمن استمرارهم معنا"! وبصراحة؛ يعلم الله أننا شعب من الشكاكين؛ فنحن نرى في كل تقاطع صليبا، وفي كل زخرفة نجمة داود، وفي كل انحناء لفظ الجلالة، ونستهين بعقولنا حين نعتقد ان شخصيات كرتونية بإمكانها تدمير امة يتجاوز عددها المليار نسمة.. نذهب بعيدا حين نعتقد أن شركة عملاقة مثل جنرال موتورز تتخلى عن إنتاج ملايين السيارات وتتفرغ لإنتاج فرشات مدسوسة لا يراها غير الشكاكين والمهووسين بنظرية المؤامرة!

ما يحدث هو العكس تماما؛ تجاملنا (وتداري على خواطرنا) طمعا في ترويج بضاعتها وترسيخ بقائها في أسواقنا لدرجة أن شركات الألبان الدنمركية رعت مؤتمرا عالميا لنصرة الرسول الكريم زمن الرسوم المسيئة شارك فيه عدد كبير ممن حرضوا ضدها في ذلك الوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...