الخميس، 12 مارس 2020

جيش الطين العظيم


في مارس 1974 كان سبعة مزارعين يحفرون بئراً خارج مدينة شيان الصينية حين ارتطم معول أحدهم برأس تمثال قديم.. حفروا أكثر حتى ظهر لهم تمثال فخاري كامل لجندي يحمل أسلحته. ثم لاحظوا جزءاً من تمثال آخر يقف قربه، ثم تمثالا ثالثا يقف خلفه، ثم رابعاً يقف أمامه.. وعند هذا الحد توقفوا عن الحفر وأبلغوا السلطات المحلية باكتشافهم الغريب..

الحكومة الصينية أرسلت لجنة علمية أدركت بسرعة وقوعها على واحد من أعظم الاكتشافات التاريخية. حفروا وحفروا وحفروا حتى أزاحوا النقاب عن 8099 تمثالاً و200 حصان وعشرات العربات التي تحمل المؤن والأسلحة.. بـدت تماثيل المحاربين والخيول وكأنها تصطف بلا نهاية.. استمرت الحفريات حتى عام 1999 قبل أن تتوقف بقرار رسمي.. واليوم يظهر الجيش مكونا من 3 صفوف من المحاربين؛ الأول فريق مشاة ونبالين، والثاني فرسان وخياله، والثالث عربات تجرها الخيول وجنود يحملون رماحاً طويلة..

أما لماذا تم صنع هذا الجيش المهيب؟ فـلأن التاريخ تصنعه أوهام العيش في الآخرة .. فقد كان هناك امبراطور يدعى شيه هوانج يؤمن بأنه سيحكم الآخرة كما حكم الدنيا.. وبعد أن هزم كافة الممالك القديمة أمر ببناء نسخة من جيشه الخاص دفنت معه عام 209 قبل الميلاد.. ويؤكد هذه الفرضية التماثيل التي صنعت بحسب ملامح الجنود ومقاساتهم الجسدية (مابين طويل وقصير وبدين وأصلع).. ملامح الوجوه، وتسريحات الشعر، واختلاف الأزياء، وطريقة اللباس تؤكد أن هناك نسخة فخارية من كل جندي كان موجوداً في جيش الامبراطور ـــ وتصور الجهد الذي يتطلبه صنع آلاف التماثيل التي لا تشبة بعضها بعضاً..

وما أثار دهشة المؤرخين هو عدم علمهم ــ ولا حتى شكهم أو تخمينهم ــ بوجود كنز أثري بهذا الحجم الهائل. فالحضارة الصينية تملك مخطوطات ومكتشفات تجعلها واحدة من أفضل الحضارات فهماً وانكشافاً في التاريخ.. ولولا الصدفة وحدها لما تم الكشف عن "جيش الطين العظيم" والتعمق أكثر في التاريخ الصيني..

هـذه المصادفة المدهشة (التي بدأت بمعول مزارع) تجعلني أتساءل شخصياً عما لم نكتشفه حتى الآن وبقي مجهولاً في تاريخ الإنسان؟

.. فرغم أن عمر الإنسان المعاصر على كوكب الأرض يمتد لمئتي ألف عام لا يتجاوز تاريخنا المكتوب والمعروف الثلاثة آلاف عام فقط.. وفي حين يسيطر جنسنا الحالي (الهومسبين) على كوكب الأرض، ظهر قبلنا 21 جنساً إنسانياً انقرض آخرها (الناندرتال) قبل 35 ألف عام..

وبناء عليه، أتساءل شخصياً؛ ما الذي يمنع ظهور حضارات مجهولة تماماً (في عصور ماقبل التاريخ) تشبه حضارتنا الحالية التي لا يزيد عمرها عن 300 عام فقط!؟

... الإجابة على هذا التساؤل قد تفسر الاكتشافات الأثرية التي خرجت عن سياق التطور المتوقع للإنسان.. فهناك مكتشفات محيرة تتضمن تراكيب هندسية وميكانيكية متقدمة يعود تاريخ بعضها إلى حقب سبقت الحضارات المعروفة إلينا.. فهناك مثلاً الكمبيوتر الميكانيكي الذي اكتشف قرب جزيرة انتيكياثيرا ويعود تاريخه إلى ثلاثين ألف عام، وطائرة سقارة (في المتحف المصري) التي تملك مواصفات الطائرة الحديثة، وكذلك سبيكة صناعية معقدة من التنجستن والموليبدنوم اكتشفت عام 1993 في جبال الأورال الروسية..

كل هذه الاكتشافات تجعلني أفترض وجود حقب مجهولة (وغير متوقعة) من تاريخ الإنسان يظل اكتشافها مرهوناً بالصدف غير المتوقعة.. كما حصل مع جيش الطين العظيم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...