الأربعاء، 18 مارس 2020

من لا تأخذه سنة ولا نوم


يوم الخميس الماضي قرأت في صحيفة «سبق» عن حالة مواطن لم ينم منذ ثلاثين عاماً.. يعيش في منطقة الباحة، ويدعى سعود بن محمد الغامدي، وبدأت قصته أثناء مهمة عسكرية تطلبت منه البقاء مستيقظاً لعدة أيام اعتاد بعدها عدم النوم مطلقاً..

وبالنسبة لي، هذه ليست المرة الأولى التي أسمع فيها ادعاءً كهذا، وليست المرة الأولى التي أقف فيها حائراً بين مصدق ومكذب.. فمن جهة تتفاوت حاجات البشر للنوم (لدرجة قد يكتفي بعضهم بساعتين في اليوم)، ومن جهة أخرى يصعب وجود كائنات لا تنام مطلقاً (فسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم)...

في عالم الحيوان ينام الأسد والدب الكسلان لأكثر من 20 ساعة في اليوم، وفي المقابل لا تنام الزرافة لأكثر من خمس دقائق - في حين لا يتوقف القرش عن الحركة ولم يشاهده أحد نائماً أبـداً..

والفرق الشاسع بين نوم الزرافة والأسد يؤكد أن النوم ذاته ليس سبباً رئيساً للحياة.. لا يعلم أحد فعلاً لماذا تتفاوت حاجات المخلوقات بين خمس دقائق للزرافة، إلى خمس ساعات للحصان، إلى خمسة أشهر تقضيها الدببة القطبية نائمة فيما يعرف بالبيات الشتوي...

لا أحد يعرف لماذا يحتاج الإنسان لثماني ساعات نوم (في المتوسط)، ولماذا يحتاج البعض لأقل أو أكثر من ذلك..

وثماني ساعات في اليوم تعني أن الإنسان يقضي ثلث حياته نائماً، وحين يموت في سن الـ75 يكون قد قضى 25 عاماً فوق السرير. ولتوفير (ثلث عمره) حاول الإنسان اكتشاف أو تركيب عقار يقلص حاجته للنوم أو يمنعها تماماً.. لست متأكداً إلى أي مدى وصلت الأبحاث في هذا الجانب، ولكنني أعتقد أنها تسير في أربعة اتجاهات رئيسة:


الأول دراسة أدمغة الطيور التي لا تنام خلال هجرتها لعدة أيام...


والثاني دراسة أدمغة الدلافين التي ينام نصف دماغها، فيما يظل النصف الآخر مستيقظاً لتمكينها من التنفس فوق الماء..


والثالث معرفة سبب اكتفاء بعض البشر بساعات نوم قليلة، في حين يحتاج آخرون إلى 12 ساعة على الأقل..


أما الاتجاه الرابع فيعتمد على تجربة العقاقير الكيميائية المنبهة لتحضير أسلم تركيبة ممكنة!!

والحقيقة هي أن الجيش الأميركي لم يتوقف يوماً عن محاولة تركيب عقار يمنع الجنود من النوم لأسبوع على الأقل، فجندي لا ينام يقابله عدو متعب ومشوش من كثرة السهر، وبقاؤه مستيقظاً يعني قيامه بمهام ثلاثة جنود في يوم واحد، ناهيك عن اختصار التموينات وعدم الحاجة لبناء مخادع للنوم وثكنات متقدمة...

وكان الزعيم النازي هتلر قد سبقهم في محاولة التوصل لمثل هذا العقار.. فـبنهاية الحرب العالمية الثانية فُـتحت على الألمان جبهات كثيرة وعجز الجنود عن متابعة القتال، وكان الحل في نظر هتلر هو تطوير عقار يمنع الجنود من النوم ويستثمر طاقاتهم لأقصى حد ممكن.. وفي النهاية توصل علماء الجيش الألماني إلى عقار فعال حافظ على تنبه الجنود لفترة طويلة لم يصنع على نطاق واسع بسبب دخول الروس لبرلين!!

نعود لادعاء عدم النوم نهائياً..

لا أعتقد بوجود إنسان لا ينام أبداً.. من يدعي هذا الأمر قد يكون مصاباً بحالة أرق دائم، ولكنه (على الأقل) يدخل في غفوات قصيرة ولحظات نعاس - تحدث حتى دون الحاجة لإغلاق العينين.. وسبحان من (لا تأخذه سِنة ولا نوم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...