في ديسمبر 2012 ختمت رحلتي الطويلة في آسيا بمغادرة مطار إنتشون في سيئول.. كانت طائرتي تقـلع الثالثة فجرا وكنت أحمل هـم الذهاب ليـلا لمطار يعد مدينة بحد ذاته. لهذا السبب طلبت من الفندق سيارة خاصة تأخذني في تمام الثانية عشرة ليلا (اكتشفت لاحقا أنها من شركة تابعة للمطار نفسه).. وخلال الطريق سألني السائق: متى تقلع رحلتك سيدي؟ قلت: الثالثة فجرا.. استغرب جدا وسألني: ولماذا تذهب مبكرا؟.. قلت: من باب الاحتياط وتجنبا للازدحام (فهذا ما تعلمناه في مطاراتنا المحلية).. لم يعلق، ولكنه ضغط شاشة السيارة وسألني مجددا: على أي خطوط؟ قلت: كاثي باسيفيك.. ضغط زرين أو ثلاثة وقال: هذه ذاهبة إلى هونج كونج.. قلت: نعم رحلتي ترانزيت.. ضغط عليها مجددا وقال: عثرت عليها، سنقف عند بوابة رقـم كـذا، وعليك الذهاب لكاونتر رقم كذا وكذا..
ثم سألني: هل تريد أن أقطع لك كرت الصعود؟ قلت: أفضل فعل ذلك بالمطار.. سألني مجددا: هل تريد شخصا يحمل عنك الحقائب؟.. قلت: نعـم (بنية أخذي لمكتب الحجز مباشرة)..
وحين توقفت السيارة أمام البوابة المؤدية للشركة وجدنا بانتظارنا شابا (عرفنا برقم السيارة) حمل حقيبتي بأدب..
ورغم أنني شاهدت مكاتب الشركة أمامي توقف الشاب في منتصف الطريق وسألني: هل تحمل كرت المغادرة؟ قلت: لا .. ذهب بنفسه لمكينة قطع التذاكر الآلية ثم أخذني لمكان رمي الحقائب (وهكذا انتهى كل شيء خلال دقائق دون أن أمر أصلا على مكاتب الكاثي باسيفيك).. حاولت منحه "بخشيشا" فاعتذر وقال أنا موظف في المطار.. وهكذا انتهيت بطريقة أسهل وأيسر مما تصورت ولم يعد أمامي سوى التفكير بكيفية قضاء الوقت المتبقي في ثاني أفضل مطار في العالم!
.. هذه القصة مجرد نموذج للخدمات التي يفترض بالمطارات تقديمها للمسافرين.. فالمطار الرائع يخدمك (بـل وينهي إجراءات سفرك) حتى قبل وصولك إليه أصلا.. يفعل ذلك من خلال تطبيقات ذكية وخدمات الكترونية مسبقة (بل وتوفير صالات مغادرة داخل المدن نفسها) تنهي من خلالها إجراءات سفرك.. وحين تصل إليه فعليا لا تجد طوابير انتظار طويلة بفضل بوابات الكترونية وموظفين مدربين ومكائن حجز وتسليم أوتوماتيكية، وفي حال اضطررت للانتظار مثلي لا تمل من وجودك فيه بفضل وفرة الخدمات ومواقع التسوق..
والحقيقة هي أن مطار إنتشون لم يسبقه في معايير الأفضلية سوى مطار شانجي في سنغافورة.. وكلا المطارين يعد مثالا لمطارات آسيوية راقية تجاوزت في مستوى جودتها وحيويتها مطارات أكثر عراقة في الدول الغربية.. فمطارا دبي وبكين مثلا ظلا يطاردان مطاري هيثرو وهارتسفيلد حتى تفوقا عليهما في هذا العام 2016 (من حيث عدد المسافرين).. وبعد أن كانت المطارات الأوروبية والأميركية تحتكر قوائم الأداء الإيجابي، تتقدم عليها اليوم المطارات الآسيوية (حيث يأتي مطار طوكيو هنداي في المركز الثالث، وتايبيه في الرابع، وهونج كونج في الخامس لعام 2015)..
.. المؤسف أن معظم هذه المطارات ظهرت إما بعد مطاراتنا أو قبلها بقليل.. ومعظم من ظهر قبلها كان حينها مجرد مبان متواضعة (أو هناجر صفيح) في وقت ظهرت فيه مطاراتنا الكبيرة من خلال منافسات دولية رفيعة أثبت الزمان أننا لم نحسن استغلالها أو تطويرها..
وما يجنح للثبات ينتهي بالتخلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق