الأربعاء، 27 يناير 2021

رأيـك في الآخـرين

 نحن نحكم على الأغراب بطريقة تختلف - في طريقة الحكم - عمن نعرفهم منذ زمن طويل.. فنحن نحكم على أصدقاء الطفولة وزملاء العمل من خلال مواقفهم معنا، والوقت الطويل الذي قضيناه برفقتهم.. وأمر كهذا لا يتوافر مع الغرباء أو من نراهم لأول مرة؛ وبالتالي يصبح المظهر الخارجي هو المرجع الوحيد المتوافر للحكم عليهم.

رأيك في صديق الطفولة يتجاوز المظهر الخارجي «ولن يتأثر سواء رأيته بثوب النوم أم بالمشلح المذهب»، ولكن رأيك في الرجل الغريب، «الذي لا تملك معه تجربة أو معرفة مسبقة»، تحدده أشياء سطحية وغير إلزامية؛ كطريقة اللبس، ولهجة الحديث، وهيئة الجسم، وشكل الوجه، وطبيعة الصوت.

والحقيقة هي أن هناك دراسات كثيرة تثبت أننا نحكم على الأغراب بمجرد رؤية صورهم الفوتوغرافية، فـهناك دراسة من جامعة برينستون تم فيها فصل الطلاب إلى مجموعتين: المجموعة الأولى اطلعت على 60 صورة فوتوغرافية لأشخاص غرباء، طلب منها تقييمهم خلال دقيقة واحدة فقط؛ أي صورة لكل ثانية فقط. أما المجموعة الأخرى فطلب منها البحث عنهم في الإنترنت عدة أيام؛ لمعرفة ما إن كانوا أهلا للثقة والجدارة والنزاهة.. وبصرف النظر عن المجموعة الأخرى لم يتردد أفراد المجموعة الأولى في الحكم على كفاءة ونزاهة أصحاب الصور خلال ثانية واحدة فقط، وبطريقة تؤكد تأثرنا بقوالب تصنيفية جاهزة.

السؤال الذي يهمنا هنا: هــل هناك أساس صحيح لهذا النوع من الأحكام المتسرعة؟

منذ أيام أرسطو لم تتوقف محاولات الربط بين صفات الجسم ودخيلة النفس، وفي القرن التاسع عشر ادعى طبيب إيطالي أنه اكتشف صفات مشتركة تميز المجرمين عن غيرهم.. فقد ادعى كيسار لومبروز، أن معظم المجرمين يملكون فكا عريضا، ووجنة بارزة، وحاجبا كثيفا، ومحط صدر عريضا، وشحمة أذن كبيرة، ليس هذا فحسب، بل ادعى أن لهم صفات نفسية وشخصية مشتركة، مثل تحمل الألم، والشهوة الزائدة، وقلة النظافة، وعدم الإحساس بمشاعر الآخرين، والاستخفاف بالتصرفات والكلمات الراقية مثل شكراً وآسف ولو سمحت.

ورغم عدم دقة هذه الادعاءات، إلا أن أحداً (في المقابل) لا يذكر وجود ملامح مشتركة بين مجاميع وأضداد بشرية كالصالحين والأشرار، والمثقفين والجهلة، والفقراء وأبناء النعمة.

أما العجيب فعلا فهو أن يكون لآرائنا المتسرعة مرجع مادي وبيولوجي حقيقي، فالرجل الذي ينجذب من أول نظرة للمرأة الجميلة، يختار في الحقيقية المرأة الأكثر خصوبة وقدرة على الإنجاب؛ «كون معظم صفات الجمال في المرأة تعود إلى وفرة هرمون البريجستون الأنثوي»، والمرأة التي يلفت انتباهها القسمات الحادة في وجة الرجل، تنجذب في الحقيقة إلى العلامة الذكورية الأبرز لدى الرجال «وفرة إنتاج التستيرون»، بــل اتضح أن كلا الجنسين قادر على التمييز من أول نظرة بين المثـليين أو مختلطي الجنس بناء على قسمات وجوههم.

كل هذا يتم بسبب امتلاكنا خبرات قديمة وقوالب سابقة تم تخزينها في عقلنا الباطن «تصدق أحيانا، ولا تنطبق في أحيان كثيرة».

وفي جميع الأحوال، أدعـوك دائما إلى التمهل في الحكم على الآخرين بهذه الطريقة، يجب ألا تستسلم لظنونك التلقائية، ولا تحكم على الآخرين «بأي حال من الأحوال» قبل أن تملك معهم تجربة حقيقية أو عشرة طويلة أو ترافقهم في سفر طويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...