الجمعة، 29 يناير 2021

يا أيها السعوديون التفوا حول دولتكم

لم يكن العراقيون يكرهون شيئا أكثر من صدام حسين ونظامه البعثي ــ وبالتالي لم يكونوا على استعداد للدفاع عنه أو التضحية من أجله بمجرد دخول القوات الأميركية الغازية (بل كان الحرس الجمهوري أول المنقلبين عليه).. وفي المقابل حفل التاريخ بزعماء استعادوا حكمهم (وحدهم) وانتصروا بفضل شعبيتهم وولاء الناس لهم دون الحاجة لسلاح أو فرق عسكرية.. فنابليون مثلا استعاد فرنسا (وحيدا) بفضل شعبيته وولاء الجيش له. فبعد هزيمته أمام التحالف الأوروبي نفي إلى جزيرة أإلـبا ولكنه تمكن من الهرب (في فبراير 1815) وتوجه نحو باريس مراهنا على حب الجماهير له. وحين وصل إلى "لافيرى" تصدى له الجيش الذي أرسله ملك فرنسا لإيقافـه. ولكن نابليون لم يتراجع بل تقدم وحيدا وخطب في الجيش قائلا "إن كان بينكم من يرغب في قتل قائده فليفعل الآن".. وضع الجنود سلاحهم على الأرض ودخل الجيش تحت إمرته.. وبعد عشرين يوما دخل باريس بالجيش الذي أرسل إليه ونصب نفسه إمبراطورا من جديد!

.. وفي تاريخنا العربي هناك ثلاث حوادث مشابهة تثبت قوة المحبة وأهمية الولاء في عودة الحاكم (ناهيك عن بقائه في الحكم).. فهناك مثلا عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) الذي فتح الأندلس معتمدا على سمعة عائلته هناك. فقد وصل الى أسبانيا وحيدا حيث عرفه الناس وساعدوه في بناء دولة قوية نافست العباسيين في المشرق.

وهناك أيضا الأمير فيصل بن تركي (جد الملك عبدالعزيز) الذي قضى خورشيد باشا على دولته وأخذه أسيرا إلى مصر. غير ان الأمير فيصل استطاع الـهرب وعاد الى نجد وحيدا حيث رحب به الناس وساعدوه على استعادة ملكه.. ويـخطئ من يظن ان الملك عبدالعزيز استعاد الرياض بالقوة العسكرية؛ فقد حاول ذلك من قبل (بجيش كبير قاده من الكويت) ولكنه لم ينجح. أما في المرة الثانية فقد راهن على ولاء أهل الرياض وحبهم لعائلته فحقق نجاحا أسطوريا (جميعنا يعرفه)!

هذه الأمثلة التاريخية تثبت ان ولاء الجماهير وشعبية الزعيم هيما أقوى ضمان لبقاء الدولة وانتصار الحاكم وعودته حتى بعد سقوطه. أما حين يحدث العكس يسقط نظام الطاغية بسرعة تتناسب مع صبر الناس وتحينهم الفرصة للانتقام من أفعاله!

.. لا تحتاج سوى للمقارنة بين الأنظمة التي تم خلعها بعد "الربيع العربي" والدولة السعودية التي مازالت قائمة منذ ثلاثمئة عام.. لا تحتاج سوى لمراجعة سعر صرف الريال (خلال آخر ثلاثين عـاما) أمام عملات عربية كانت تحلق في السماء وكان زعماؤها يتهموننا بالتخلف والرجعية..

واليوم تبقى السعودية واحة أمان واستقرار بين دول كثيرة مضطربة.. تحارب على عدة جبهات لضمان سلامة أراضيها وعدم تأثر مواطنيها بما يجري حولها.. تخوض حربا في اليمن، وتستبق محاولات داعش وإيران لزعزعة أمنها، ومع هذا لم نسمع عن انقطاع رواتب أو تعطيل مدارس أو شح في الخدمات العامة.. ورغم انخفاض أسعار النفط لم تطلب منا الدولة المساهمة في المجهود الحربي (كما تفعل معظم الدول في الأزمات المماثلة) ولكنها تطالبنا بوحدة الصف واجتماع الكلمة وعدم الانجراف خلف دعاة الفتنة.. تدرك كما ندرك نحن، بأنه لا تـوجد دولة كاملة أو حكومة مثالية ولكنها تدرك (في حين لا يدرك البعض) أن غـياب السلطة يعني تلقائيا الفوضى والتناحر وانقسام المجتمع (ولكم في الدول المجاورة عبرة يا أولي الألباب)..

باختصار؛ وحدة الصف لا تضمن فقط الاستقرار السياسي، بـل والتماسك الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والنجاة من الفـتنة والانقسام.. فيا أيها السعوديون التـفـوا حول دولتكم لأن تجارب من حولكم تثبت حجم المأساة الناجمة عن عدم الاستقرار السياسي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...