الأربعاء، 27 يناير 2021

من يعرف جنياً يتلبسني؟!

 يوم الأحد الماضي كتبت مقالا بعنوان (من يدعي ذلك بعد سليمان). ورغم أنني وعدتكم باستكمال الجزء الثاني في اليوم التالي إلا أن ظروف الإعلانات، وسفري شخصياًَ حالتا دون ظهوره حتى اليوم...

وفي ذلك المقال تحدثت عن عدم وجود نص شرعي صريح يثبت إمكانية دخول الجان في جسد الانسان، وأن النصوص الواردة بهذا الخصوص إما جاءت على سبيل التمثيل والتشبيه، أو أنها ضعيفة وموضوعة، في حين قد يسيء الناس فهم الصحيح منها ويعتبرونه دليلا على إمكانية التلبس..

واليوم تتبقى لدينا مناقشة الأدلة المادية والعقلية التي يستشهد بها معظم الناس في مسألة التلبس، (وأعترف مقدما بصعوبة إقناع قارئ شاهد مصروعاً يتخبط، أو سمع موروثا يتكرر منذ الطفولة) .. ولكن الحقيقة هي أن كل ما نراه ونسمعه بهذا الشأن ليس أكثر من خلط شائع بين ادعاءات المس، وأمراض عصبية ونفسية أثبت العلم وجودها فعلا..

فبالإضافة لبعض الأمراض العضوية (التي تصيب الدماغ البشري بالعطب)، يخلط الناس مثلا بين الصرع وإمكانية دخول الجان في جسد الانسان.. فالصرع خلل كهربائي مؤقت يصيب الجهاز العصبي أو إحدى مناطق الدماغ فتبدو على المصاب علامات التشنج والتصرف بطريقة لا إرادية غريبة.. وبسبب جهل الناس بأسبابه في الماضي، وانتشاره الواسع في الحاضر (كونه يصيب قرابة 5% من سكان العالم)، سادت اعتقادات مشتركة بأنه نتيجة تلبس شيطاني أو عمل سحري.. ورغم أن أطباء اليوم يعتبرونه مجرد مرض عصبي، يمكن علاجه والكشف عن أسبابه، إلا أن معظم الثقافات ماتزال تتجاهل هذه الحقيقة وتمارس طقوسا وقراءات خاصة به..

أيضا ، بالإضافة للأمراض العصبية والعقلية، هناك أمراض نفسية يبدو صاحبها وكأن جانا يتلبسه.. وسبق أن كتبت فعلا عن حالة مخادعة وشائعة تدعى تعدد الشخصيات، تنطبق على معظم الشهادات التي أسمعها بهذا الخصوص (واسمها الطبي Multiple Personality Disorder).. وفي هذه الحالة بالذات، تتصارع أكثر من شخصية داخل الجسد الواحد تتحدث كل منها باسم ولسان مختلف.. وهي تتبلور نتيجة اضطهاد شديد يتعرض له المرء في طفولته، بحيث لايجد مخرجا غير خلق شخصية رديفة تخفف وطأة ظروفه القاسية.. وإذا استمر الاضطهاد أو زادت قسوته قد يختلق شخصية ثانية وثالثة، وربما رابعة تناسب سنه وتغير الظروف من حوله، والرقم القياسي لمريضة من تكساس أحصى الاطباء داخلها 25 شخصية مختلفة!!

... وليس أدل على الطبيعة المرضية لهذه الادعاءات من إمكانية علاجها بالعقاقير والجلسات النفسية المتخصصة.. أما حين تشفى على أيد "غير المتخصصين"، فيكون ذلك بسبب التأثير الوهمي وقناعة المريض بقدرة المدعي على الشفاء (رغم انتكاساته التالية وعودته الدائمة)..

وحين يقتنع المصاب بقدرة أحد المدعين على الشفاء يمكن للأعراض النفسية أن تختفي سواء على يد شيخ مسلم أو قس مسيحي أو حتى راهب بوذي.. فأنا مثلا لدي صديق من أصل مصري طاف بوالدته على عدة مشايخ دون فائدة حتى شعرت أخيرا بالشفاء على يد قس قبطي من محافظة سوهاج.. وحول العالم مازالت الكنائس الكاثوليكية تعقد صلوات خاصة لاستخراج الشياطين تدعى "رقية إميلي روز"، (في حين أراح البابا نفسه وبثها بصوته عبر إذاعة وجهها للمصروعين في العالم).. وحين ناظر الداعية الهندي أحمد ديدات القس الأمريكي جيمي سواجرت، استشهد سواجرت بصحة الإنجيل بقوله "إن تلاوته تشفي المرضى وتخرج الشياطين من أجساد المصروعين"، فابتسم أحمد ديدات وقال: "هذا ليس شرطا، فحتى السيخ والهندوس في الهند يفعلون ذلك"!

... ورغم هذا كله قد يقول قائل: وما أدراك أنت، ألم يقل الله تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا..

وهذا صحيح ، ولكن لأن البينة على المدعي، ولأننا لم نؤت من العلم إلا قليلا، أنا من يطالب الآن بتقديم البينة على كيفية تحكم مادة لطيفة شفافة (لم تخضع لبشر بعد نبي الله سليمان) بجسم مادي غليظ، كجسد الإنسان، متجاوزين الحل الأبسط وهو إصابته بمرض نفسي يمكن علاجه!!

... وكي أسهل على "المدعي" تقديم "البينة"، أعلن شخصيا استعدادي لتقديم (100,000 ريال) لأي مشعوذ أو ساحر يثبت قدرته على قذفي بجني يتلبسني. ولأنني لا أتحمل تجميد هذا المبلغ للأبد، سأترك لسعادته عاماً كاملاً، من تاريخ نشر هذا المقال، يسري خلاله هذا التحدي ونتأكد فيه من صحة هذا الادعاء!!

... وستعرفون حين تتوقف مقالاتي بعد هذا التاريخ !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...