الاثنين، 3 مايو 2021

علوم مزيفة وعلم لا ينفع

 العلوم في نظري تنقسم الى ثلاثة أقسام رئيسية:

تطبيقية مفيدة.. وتنظيرية ممتعة.. ووهمية كاذبة.

تطبيقية مفيدة كالطب والجيولوجيا والزراعة كونها تقدم نتائج ملموسة وخدمات محسوسة ترى أثرها على حياة الناس.. وتنظيرية ممتعة كالآداب والفنون والفلسفة التي - وإن كانت لا تقدم منافع مادية ملموسة - تمنحنا متعة فكرية راقية.. أما النوع الثالث (موضوعنا اليوم) فعلوم وهمية فارغة لا تؤثر ولا تقدم كونها لا تشفي من مرض، ولا تخدم مجتمعا، ولا تقدم متعة حقيقية للعقل والروح والجسد.

لا أتوقع أن توافقني الرأي إن كنت أحد خريجيها أو العاملين فيها، ولكن قد يهمك معرفة أن هناك ما يسمى فعلا بالعلوم الكاذبة لدى خبراء البحث العلمي (وقد يطلق عليها أيضا اسم العلوم الوهمية أو الزائفة أو الهامشية وتدعى بالانجليزية Pseudo-science)!

والعلوم الكاذبة تبدو في ظاهرها كعلوم حقيقية، ولكنها في داخلها ومخرجاتها الواقعية مجرد انجازات هامشية لا تزدهر في غير بيئتها المحلية (مثل كوريا الشمالية التي تمنح شهادات دكتوراة في أقوال الزعيم كيم ايل سونج)! ويتضح زيف العلوم الوهمية أو الكاذبة، بمجرد مقارنتها بالعلوم الحقيقية أو الصادقة.

  • فالعلوم الحقيقية مثلا لا تجزم بوجود الأشياء قبل توثيقها ورصدها وتجربتها من خلال منهج علمي يتفق عليه الباحثون (في العالم أجمع).. وفي المقابل تجزم العلوم الكاذبة بالحقيقة التي تريدها (أولا ومقدما) ثم تختلق حولها أبحاثا ودراسات مزيفة لا يعترف بنتائجها ودرجاتها الأكاديمية غير مجتمعها المحلي.

  • أيضا العلوم الحقيقية تبحث عن الحقيقة بطريقة نزيهة ومحايدة لتحقيق المزيد من الفهم والمنفعة لجميع البشر.. وفي المقابل؛ الدافع غالبا وراء العلوم المزيفة يكون إما ثقافيا أو محليا أو أيدلوجيا (مثل إنشاء معهد خاص بمخ لينين في موسكو زمن العهد الماركسي)!

  • والعلوم الحقيقية تنطلق من فرضية خجولة (ولا تصبح نظرية) قبل أن تثبتها التجارب أو تؤكدها الدراسات.. وفي المقابل تقفز العلوم الزائفة لتقديم نظريات واثقة وجازمة (بل وخارقة للعادة مثل اكتشاف عشبة تعالج الإيدز) دون المرور بمرحلة الفرضية أو البحث أو تقديم دراسة أو تجربة فعلية...

  • والعاملون في العلوم الحقيقية يرحبون بتعديل النتائج والإضافة إليها وحتى إلغائها (ولا يعادونك أو يغضبون منك حين تفعل ذلك كونك تخدم البحث ذاته).. وفي المقابل يرفض العاملون في العلوم الهامشية أي تعديل أو حذف أو حتى تقديم دليل ينفي ما يعتبرونه حقيقة نهائية ومطلقة!

  • وفي حين تتغير النظريات العلمية وتتطور (وأحيانا تختفي لصالح حقيقة أكبر) تبقى الادعاءات المزيفة على حالها لا تنمو ولا تتطور ولا تختفي ولا يمَل أصحابها من تكرارها ومحاولة تعزيزها مهما أثبت الزمن عجزها وقصورها.

  • وغالبا ما تتحدث العلوم الحقيقية عن إنجاز وحيد ومستقل وصريح (كأن تعلن ناسا عن اكتشاف قمر جديد للمشتري) في حين تحشر العلوم الوهمية عشرات الادعاءات المبهمة لصالحها (كادعاء وجود خمسين دراسة عالمية تؤكد نجاحها) ولكن دون تقديم دليل واحد أو مصدر واضح تتأكد منه!

  • والعلوم الحقيقية تنشر أدلتها بشكل علني ودقيق ومفصل وموثق.. وفي المقابل تتهرب العلوم المزيفة من فعل ذلك وتحاول شغلك بادعاء يدغدغ عواطفك أو يناسب اعتقاداتك.. والأسوأ.. حين تربطه بمرجع عالمي يصعب تأكدك منه (كادعاء أحدهم بوجود دراسات من جامعة أدنبرة تؤكد وجود مكة في مركز الكون)!

  • والعلوم الحقيقية يغلب عليها طابع التعقيد وصعوبة فهمها من غير المتخصصين فيها (كتقنية النانو، والتفاعل الكيميائي، والمعادلات الإنشائية) في حين تتميز العلوم الكاذبة بالشعبية والسطحية وسهولة الفهم (بل وتلاحظ أنها ممتعة للعقل الجماعي كالتنجيم والكائنات الفضائية والخوارق النفسية والادعاءات الفلكلورية)!

  • وكما قلت في مقدمة المقال؛ العلوم الحقيقية تقدم نتائج فعلية وواقعية يمكن لجميع الناس رؤيتها والإحساس بها والاستفادة منها (كدور الطب في شفائنا، والهندسة في حياتنا، والتنقيب في اقتصادنا) في حين لا تقدم العلوم الوهمية إنجازات حقيقية ولا فوائد ملموسة ولا منفعة (لغير العاملين فيها)!

.. أيها السادة:

(علم لا ينفع) من الأمور التي استعاذ منها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.. وفي حين لن يتراجع مستوى اليابان وألمانيا وكوريا لو أغلقت كلياتها النظرية وتخصصاتها الوهمية (وهي قليلة على أي حال) نملك نحن أعدادا من الكليات الهامشية والتخصصات الوهمية والدرجات الأكاديمية المتخفية تحتها!

وبصراحة.. الوضع لا يحتمل التأخير عطفا على رسائل الدكتوراة التنظيرية وغير النافعة والمقروؤة.. وآلاف الخريجين الذين يحملون هذه الأيام شهادات "هامشية" ولا يملكون وظائف "حقيقية" ويحتاجون الى إعادة تأهيل بعد تخرجهم ويعيشون حالة انفصال فكري عن السياق الإنساني المعاصر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...