ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..
وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراجع وهضم حقوق المستفيد النهائي..
ولهذه الأسباب ــ التي يدركها كافة الناس بداهة ــ ظهرت في المجتمعات القديمة اتفاقيات غير مكتوبة لــتنظيم المقاييس وتحديد مواصفات السلع.. لم تخلو أسواق البشر طوال تاريخها من وجود وسائل قـياس (ووحدات قياسية) يتفق عليها البائع والمشتري منعا للظلم والغـبن وتجاوز الاتفاق العام.. صحيح أنها من ابتكار البشر، ولكنها تستمد سندها القانوني من اتفاق الناس عليها لدرجة توعد الله عز وجل من يخالفها أو يتجاوزها ــ بصرف النظر عن طبيعتها ــ في قوله تعالى }ويـل للمطففين الذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{..
وحتى مائة وخمسين عام مضت كانت لكل منطقة مقاييسها ومواصفاتها ومكاييلها الخاصة ــ بل وحتى منطقتها الزمنية التي تختلف عن بقية المناطق حتى داخل الدولة ذاتها. غير أن انفتاح العالم وتمازج الثقافات وتنامي التجارية الدولية حـتـم توحيد المواصفات، والاتفاق على مقاييس ترتضيها كافة الشعوب. وهكذا عُقدت مؤتمرات، وظهرت منظمات، ووضعت اتفاقيات، الغرض منها توحيد المواصفات والمقاييس بين جميع الدول والقارات..
وكان المؤتمر الدولي للأوزان والمقاييس (CGPM) أول جهاز يتم إنشائه عام 1875 بشكل رسمي واتفاق عالمي (ومن خلاله ظهرت اتفاقية النظام المتري).. تبعـه ظهور المنظمة الدولية للتقييس ISO)) والمكتب الدولي للأوزان والمقاييس( (BIPM والهيئة الدولية للمواصفات الكهروتقنية ((IEC والمنظمة الدولية للمقاييس القانونية (OIML) والمنظمة الدولية لاعتماد المختبرات (ILAC) وهيئة التقييس لدول مجلس التعاون الخليجي (GSO)...الخ
... الجديد في الموضوع هو استضافة السعودية لاجتماعات معهد المواصفات والمقاييس التابع للدول الإسلامية (SMIIC) في مركز الملك سلمان في المدينة المنورة.. وتقام الاجتماعات الحالية خلال الفترة بين 31 أكتوبر إلى 2 نوفمبر 2021 برعاية معالي وزير التجارة الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي.. وهذا المؤتمر بالذات يعد الأهم في تاريخ المعهد كونه يأتي بعد أكبر جائحة صحية مرت على العالم ظهرت خلالها منتجات وخدمات ومواصفات فرضت نفسها بقوة خـلال آخر عامين فقط. كما يعد الأكبر من نوعه كونه يضم (145) ممثلا لـ (45) دولة إسلامية و (14) منظمة إقليمية ودولية ــ ويتضمن الاجتماع الرابع لمجلس إدارة التقييس (SMC) والاجتماع الثاني والعشرين لمجلس الإدارة (BoD) والاجتماع السادس عشر للجمعية بمشاركة رؤساء أجهزة التقييس في كافة الدول الإسلامية.
ومن المعروف أن هذا المعهد SMIIC يعمل تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي ويهدف إلى تفعيل التعاون في مجال التقييس واعتماد المواصفات وتطوير منظومة الجودة بين الدول الأعضاء ( ويمكن للمتخصصين الاطلاع على المواصفات والمقاييس المعتمده فيه من خلال البحث عن: دليل مواصفات الدول الإسلامية)..
بقي أن أشير إلى أن السعودية من الدول المؤسسة للمعهد وترأست إدارته منذ عام ٢٠١٨ واستضافت اجتماعاته الدولية في مكة المكرمة عامي 2018 و2019. وفي نوفمبر2020 تم الاتفاق على تمديد فترة تولي محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس الدكتور سعد القصبي رئاسة المعهد حتى نهاية 2021م ــ الأمر الذي يؤكد الدور المحوري للمملكة في مجالات التعاون الإسلامي، ومواكبة هيئة المواصفات والمقاييس السعودية لمستهدفات رؤية 2021 في هذا المجال بالذات..